لا يمكن لليبرالي أو عضو في مجموعات الـ NGOs “حتى ولو كان قادمًا من منابع يسارية” أن يقف إلى جانب الدولة الوطنية، ولن يتبنى مهام التحرر الوطني، سواء كان ذلك في الأردن أو سورية أو لبنان أو حتى في فلسطين.
هذه تشكيلات ومجاميع تقف في مكان رمادي ملتبس لا تستطيع أن تغادره، وإلا فقدت دورها وامتيازاتها…!!
عضو NGOs في الأردن هو “مقاول” ندوات “للتنمية الاجتماعية، والتمكين” ولكن تنميته هنا هي تنمية مخاتلة مجزأة، ليست مرتبطة بمشروع وطني، وتتنكر لأي محتوى اجتماعي، بعد أن قام بتقسيم المجتمع إلى جزر قطاعية معزولة، وحلقات مجزأة!!
في سورية سيقول لك بأنه يقف ضد العنف، وضد ضرب الوطن السوري!! بالطبع ليس من موقع الحرص الوطني أو القومي، فهذه القيم والأحاسيس بالنسبة إليه أصبحت “موضة قديمة” ولغة خشبية! ولكنه في نفس الوقت يصرح بضرورة إسقاط النظام بأي وسيلة ممكنة، حتى لو استدعى ذلك التدخل الأجنبي العسكري!!
هو يريد أن يظهر بصورة المتفوق إنسانيا، ولكن هذا “التلبس” الإنساني، مطاطي جدا، وانتقائي، ويتكيف مع توجهات مرجعياته الممولة!!
في لبنان، يتحول هذا الليبرالي الفصيح إلى بوق متعدد الألوان حتى يتمكن من توزيع نفسه “بعدالة” على كل الطيف اللبناني الإشكالي؛ من الفاشي، الإقطاعي، إلى المذهبي، إلى الطائفي.. شرط أن يحافظ هذا الطيف، على تواصله مع المسيو الفرنساوي، أو السفارة الأمريكية، أو السيد السعودي، وصولا أحيانا إلى “الجار” الصهيوني.. وكل هذا مدفوع الثمن، طالما أن العدو المستهدف المشترك لكل هؤلاء، مقاوم يتصدى للإسرائيلي في الجنوب.
في فلسطين، عضو المنظمات غير الحكومية الممول من الدوائر الغربية، يعلن بأنه ضد الاحتلال، ولكنه ينفر من أي مقاوم حقيقي لهذا الاحتلال.
يتحرك بحرية لا تعيقها “الحواجز”، ويبث أبواقه ومناصريه في كل الفضاءات المجتمعية والجغرافية، بينما نخبه المتخصصة طليقة وكأنها منيعة عن رصد رادارات السلطة والاحتلال على السواء.
يستغل الحالة الاجتماعية المأزومة، فيوزع عطاياه “بفطنة” يحسد عليها، ليفرغ المنظمات والقوى السياسية ومنظمات المجتمع الوطني من عناصر قوتها وحواضنها الاجتماعية ووحدتها، ويحول بعض سماسرة السياسة والمناضلين المتساقطين، إلى مرتزقة هائمين على أبواب بعض القنصليات الأجنبية.
أول ما تفعله تلك المنظمات غير الحكومية، ونظرائها من الليبراليين الجدد، هو إضعاف انتماء المواطن للوطن وللبعد القومي، واستبدال ذلك بالانتماء إلى مجاميع “إنسانية”.. إلى “كيانات مدنية”.. فالاستهدافات النيو ليبرالية، وحاجات السوق تعمل على تفكيك الأوطان وتحويلها تدريجيا إلى إدارات محلية وشركات ومستثمرين، يصبح فيها العمل السياسي الوطني، مجرد تابع، واستثمار سياسي مجدي ماليا لأصحابه المقربين!!
هذا الليبرالي “النزيه”، الذي يدعي محاربته للفساد، لا يخجل كثيرا من تلقي الأموال من الخارج والداخل على السواء، فهذه بالنسبة إليه ليست إلا هبات معلومة مستحقة تساعد في “تنمية” المجتمعات المحلية!!
في الغالب، لا يستعمل أصدقاؤنا هؤلاء عبارات إدانة واضحة ضد الاعتداءات على سورية ولبنان وقبلها ليبيا ولا حتى العراق، ولا ضد العدوانية الإسرائيلية ضد فلسطين والأردن، كما لا يسمي الطرف المعتدي باسمه، فهذا محظور، كما هو محظور إبراز أي نشاط ضد التطبيع مع “إسرائيل”؛ مثل هذه “الخدمات” لا توفر له مقابل مجزي!!
هذا “الناشط” الفصيح، يصمت عندما لا يفيده النطق، ويدلي بدلوه متى يطلب منه ذلك، وقد وفرت له وسائط التواصل الاجتماعي مجالا رحبا يسمح له بالاندساس بالزفة وقت يشاء، ثم يتوارى عن الأنظار عند الضرورة.. وغالبا ما يختفي عندما يزداد العدوان الأجنبي على أوطاننا، أو ترتفع حدة البطش على شعوبنا. ولا تنسوا بأن صاحبنا هو ناشط “حرية وديمقراطية”، وليس له علاقة بالتحرر الوطني.
جماعة NGOs هذه تمتلك الحقائق والوقائع كاملة عن كل شيء، ولا عجب في ذلك، فالتعليمات تصلها إلى مكاتبها الأنيقة، ومعها شيكات بنكية مضمونة في مظروفات مغلقة!!
هم وحدهم يمتلكون الحق بإعلان أنفسهم كممثلين شرعيين عن أي شعب، أوصياء عليه، ويعملون باسمه..
طبعا هم لا يعترفون بوجود مخططات إمبريالية-صهيونية تستهدف فلسطين والمنطقة العربية، فتراهم يهزؤون بما يسمونها نظرية المؤامرة ضد شعوبنا وأوطاننا، ويرجعون المسؤولية بكل المصائب التي تلحق بنا على شعوبنا، وعجزها عن اللحاق بمستوى وعيهم ونظرتهم “الحداثية”!!
فعلا الحق علينا..
ألم نترك مثل هذه الأدوات المغرضة، ترتع في نسيج مجتمعاتنا، دون العمل على كشف دورها، وفضح استهدافاها وارتباطاتها؟