هنا تزهر الوردة.. روزا لوكسمبورغ، نقد مبكر لليبرالية

د.موفق محادين
5 دقيقة وقت القراءة
روزا لوكسمبورغ

من بين ما تركته المناضلة الأممية الاشتراكية ، روزا لوكسمبورغ، قبيل اغتيالها من قبل البوليس السري للقيصر الألماني 1919، كراس (اصلاح اجتماعي ام ثورة) الذي ترد فيه على أوهام الرهان على النضال البرلماني والنقابي في  البلدان الرأسمالية ، وهي الأوهام التي صاغها مهندس الاشتراكية الدولية ، الثانية، (غير الماركسية) الألماني ، ادوارد برينشتاين (1850  – 1932) وذلك في سلسة مقالات نشرها في مجلة الأزمنة الحديثة عام 1897.

تقوم أفكار برينشتاين على :

1- عدم التمييز بين الأفق التاريخي المسدود للرأسمالية وبين قدرة النظام الرأسمالي على التكيف طالما لم تستكمل الشروط التاريخية لسقوطه المحتم، وتحول ازماته الدورية الى أزمات مستعصية.

وتلحظ روزا لوكسمبورغ  مبكرا كما ماركس ، الدور المتزايد للثورة التقنية الملازمة للرأسمالية في تسريع الازمات الكبرى للرأسمالية وصولا لحتفها (طرد ملايين البشر من سوق العمل وزيادة التناقضات بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج).

2- انطلاقا من تكيف الرأسمالية مع ازماتها، يدعو برينشتاين الى البحث عن عدالة جديدة (ليس اشتراكية )عن طريق الرهان على النضال النقابي والبرلماني وتحويل الفقراء الى اغنياء ، عبر الشركات العمالية (انتاج مستشرك مع تبادل رأسمالي) كما يستعير من كونراد شميت فكرة الرقابة الاجتماعية ، وبهذه الأفكار تحولت نظرية برينشتاين الى راية عسل مغشوش التقطت كل (الذباب) الانتهازي في مؤتمر شتوتغارت عام 1899، وصار واضحا ان نصيحة التحريفية – بحسب روزا- بالتخلي عن الهدف النهائي للاشتراكية هو التخلي عن الحركة الاشتراكية برمتها ، وتحويل البناء الماركسي الى كومة خربة تضم نفايات من كل النظريات .

في الرد على كل ذلك، بحسب روزا لوكسمبورغ:

– ان وظيفة النضال النقابي والبرلماني هي تربية الجماهير والطبقة العاملة واعدادهما للتغيير الكبير وما عدا ذلك يتحولان مع الزمن الى ما يشبه صخرة سيزيف في الأسطورة المعروفة  .

– ان النشاط النقابي ينحصر في تنظيم الاستغلال الرأسمالي ومحاولة تحسينه وفق شروط السوق وليس القضاء عليه ، وفيما يخص الشركات العمالية ، فمصيرها التفسخ والافلاس او التحول الى مشاريع رأسمالية مشوبة بالفساد دائما وتربية الانتهازيين فيها .

– ان الحياة النيابية ، اذا كانت من الناحية الشكلية تساهم في التعبير عن المصالح العامة ، فهي عمليا لن تكون اكثر من (اشتراكية منابر) و مدجنة برلمانية في قلب الرأسمالية ومصالحها وشروطها .

فالمؤسسات الديموقراطية ليست سوى سلاح للخداع والمناورة بيد البرجوازية ، بدليل انها ما ان تفقد القدرة على توظيف هذه الديموقراطية حتى تنقلب عليها بكل الاشكال واللجوء الى اكثر الأساليب وحشية .

وتتناول روزا التبادل التاريخي للسلطة بين الديموقراطيات والملكيات : فرنسا مثلا ومنذ ثورة 1789 عرفت هذا التبادل : جمهورية ، ملكية مطلقة بزعامة نابليون، ملكية ارستقراطية ، ثم ملكية دستورية ثم ملكية مطلقة بزعامة نابليون الثالث، ثم جمهورية ، ومثلها المانيا التي مشت في جنازة الديموقراطية مرات عديدة وتناوب عليها الارستقراطيون والفاشيون والليبراليون .

وتنتهي روزا لوكسمبورغ الى الاستنتاج بأن مصير الحركة الاشتراكية ليس معلقا بالديموقراطية بل ان العكس هو الصحيح .

– فيما يخص فكرة العدالة (غير الاشتراكية) التي تفتقد الى المضمون الإنتاجي الاجتماعي والأخلاقي والثقافي لمصطلح الاشتراكية ، فهي اشبه بجواد منهك امتطاه كل المصلحين في العالم وعبر كل الحقب بعد ان أوعزتهم وسائل نقل تاريخية اكثر امانا .

انها ايضا فرس دون كيشوت بل كل الدون كيشوتات الذين امتطوها لبلوغ عالم الاصلاحات الموهومة قبل ان يعودوا مهيضي الجناح

– ان التحولات الكبرى لا تجري بناء على العمل من اجل اصلاحات دستورية وتشريعية ، بل بفضل الثورات الاجتماعية الكبرى وقواها التاريخية في كل مرة

– إن تكتيك الاشتراكية الديموقراطية لا يقوم على انتظار اللحظة التي تبلغ فيها التناقضات ذروتها بل بتسريع هذه التناقضات عبر اشكال النضال المختلفة ، الطبقية والسياسية والنظرية والميدانية، كما لا يقوم هذا التكتيك على الانقلاب البلانكي ، نسبة الى بلانكي (منظر البرجوازية الصغيرة قصير النفس).

فالانتقال الى الاشتراكية لايتم فجأة وبضربة مباشرة ظافرة تكيلها البروليتاريا للرجعية والبرجوازية ، بل عبر مراكمة النضال الطويل والعنيد وفي خضم التقدم والتراجع والتقدم ، والانتصارات والهزائم قبل الانتصار الأخير .

وهو ما يذكر بما كتبه ماركس في (الثامن عشر برومير بونابرت):

” ان الثورات البروليتارية ، بعكس الثورات البرجوازية ضد الاقطاع ، تكتسب الخبرة تلو الخبرة عبر المثابرة والنقد الذاتي باستمرار والتعلم من الاخطاء ومواصلة النضال وسط حالة من التقدم والتراجع واستيعاب الضربات والاخفاقات الى ان ينشأ الوضع التاريخي الذي يجعل كل تراجع مستحيلا وتهتف الاحداث نفسها محمولة بكل هذا التراكم النضالي في الوعي والممارسة والتقدم : هنا تزهر الوردة

شارك المقال
كاتب ومحلل سياسي أردني