قانوني الموازنة العامة وقانون موازنة الوحدات الحكومية في ظل الأزمة والاقتصادية

فهمي الكتوت
9 دقيقة وقت القراءة

قبل الدخول بتفاصيل قانوني الموازنة العامة للحكومة المركزية وقانون موازنة الوحدات الحكومية ( الهيئات المستقلة ) لا بد من التوقف عند اسباب اختلالات الموازنة، المتصلة بالأسباب الحقيقية للازمة البنيوية للاقتصاد الأردني، والتي ارتبطت بمصالح الاستعمار والامبريالية في المنطقة، فقد نشأ الاقتصاد الأردني مشوها، وسادت أنماط اقتصادية؛ سمتها الاساسية (ريعية خدمية) اعتمدت على المساعدات الخارجية، علما ان الأردن بلد غني بثرواته الطبيعية نتيجة التنوع المتميز في جيولوجيته وامتلاكه لرقعة زراعية واعدة، وموقعه الجغرافي يمنحه قدرة على تعظيم التجارة والترانزيت.

وقد اسهمت السياسات الرسمية؛ في تعميق التشوهات الهيكلية للاقتصاد الأردني، من خلال هيمنة القطاعات الطفيلية والتوسع في الانفاق الممول بالقروض التي اوصلت الإقتصاد الى الحافة، تم ذلك في ظل غياب الحياة الديمقراطية، وتفشي الفساد السياسي والإداري والمالي، وتدخلات الدولة العميقة، ومصادرة الحريات العامة، وتفريخ المؤسسات المستقلة خدمة للفئات الطفيلية، وتضخم عدد الوزارات وتعدد الرواتب للفئات النافذة، وصرف رواتب تقاعدية حتى لمجرد تسمية الشخص وزيراً ليوم واحد.

ومن أبرز السياسات التي عمقت الاختلالات الاقتصادية والمالية، خصخصة أهم الاصول الانتاجيه، ببيع مقدرات وأصول الدولة الى رأس المال الأجنبي وبأسعار لا تتناسب وقيمتها الحقيقية ولا تخلوا من الفساد، الأمر الذي ادى الى تحويل عائدات الإستثمارات الى الخارج، وزيادة إعتماد الدولة على الضرائب والقروض لتلبية حاجاتها المتزايدة والتوسع في الانفاق العام، والتي باتت تشكل هذه السياسات عبئا ثقيلا على العمال والمزارعين وصغارالموظفين والكادحين عامة.

البيئة الاستثمارية

من أهم المشاكل التي تواجه الاستثمار في البلاد ضعف القدرة التنافسية للمنتج الأردني؛ بسبب ارتفاع الأعباء الضريبية على مدخلات الإنتاج، فإن ضريبة المبيعات ضريبة انكماشية، أسهمت بارتفاع تكلفة السلع والخدمات، إضافة إلى ارتفاع تعرفة الكهرباء، والضرائب على المشتقات النفطية وهي سلع ارتكازية أسهم ارتفاعها بارتفاع كلف المنتجات والخدمات الأردنية عامة، إضافة إلى فرض ضريبة المبيعات على الدواء وغذاء الفقراء، ما أسهم بإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين واتساع مساحات الفقر. وبدلا من إعطاء الأولوية لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل، تنصب الجهود الرسمية نحو زيادة الجباية الضريبية، ومن غير الممكن توفير بيئة استثمارية في البلاد في ظل زيادة العبء الضريبي.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه خطاب الموازنة عن المزيد من الاهتمام بالصناعات المحلية، وترويج الصادرات، والجهود لجذب الاستثمار، فإن هذه الإجراءات تصطدم بتحديات كبيرة تحول دون تحقيقها، وذلك بسبب ارتفاع العبء الضريبي، فقد فرضت الحكومة ضرائب إضافيّة على الصناعة، وألغت الإعفاءات الضريبية عن الصادرات. اضافة الى ارتفاع تعرفة الكهرباء الناجمة عن اختلالات خطيرة في قطاع الطاقة، وزيادة الضرائب الخاصة على المشتقات النفطية وغيرها من السلع والخدمات.في الوقت الذي تزعم الجهات الرسمية أنها تسعى لخلق بيئة استثمارية.

لقد ترافق تدهور الاقتصاد الوطني مع تشديد القبضة الأمنية وإصدار القوانين العرفية والتعديلات الدستورية، التي أخلّت بجوهر الدستور؛ وتحوّل معظم المواطنين إلى متضررين من السياسات الرسمية السائدة في البلاد، مما عمّق الشعور لدى المواطنين عامة بعدم الخروج من الأزمات المركبة في ظل التبعية، وغياب العدالة في توزيع مكاسب التنمية ومنافعها، وتفاقم العجز المزمن في الموازنة العامة، والمديونية.

إن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، وفي ظل المستجدات السياسية الإقليمية والدولية، وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي أمام النهج السائد، هي ثمرة تراكم سياسات تفتقر لبرنامج وطني شامل، ونتيجة الخضوع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، التي عمقت الأزمة، بإدخال الاقتصاد الوطني في نفق السياسات النيوليبرالية، بعد إخضاعه لبرامج «التصحيح الاقتصادي».

الاختلالات الهيكلية للموازنة

تعاني موازنات الدولة من اختلالات بنيوية، ولعل قراءة موضوعية لمشروع قانون الموازنة لعام 2022 تكشف عن حجم الخلل الذي يعتري بنيتها، وقد قدمت موازنة الدولة على فرضية تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بنسبة 2.7% ، وعلى قاعدة تعافي الاقتصاد الأردني ، وهي نسبة مبالغ بها وغير قابلة للتحقيق، حيث لم يحقق الاقتصاد الأردني قبل جائحة كورونا اكثر من 2%، وما زالت تداعيات الجائحة تشكل تحديا اجتماعيا واقتصاديا، والتي اسهمت في تعميق الازمة.

اما تفاصيل الموازنة، فقد بلغت موازنة الحكومة المركزية ( 10.668) مليار دينار، وموازنة الهيئات المستقلة 1.513 مليار دينار، وتصبح القيمة الاجمالية للموازنتين 12.181مليون دينار وتبلغ قيمة اجمالي الايرادات المحلية للموازنتين 8.802 مليار دينار، وبذلك يصبح العجز الحقيقي 3.378 مليار دينار.

وقد بلغت النفقات الجارية المقدرة لموازنة الحكومة المركزية 9.117 مليار دينار، والنفقات الرأسمالية 1.551مليار دينار، اما الايرادات المحلية المقدرة8.064 مليار دينار منها 6.089 مليار دينار ايرادات ضريبية، وتشكل الايرادات الضريبية 75% من اجمالي الايرادات المحلية، كما بلغت المنح الخارجية 848 مليون دينار، منها 599 مليون دينار من الولايات المتحدة، و 108 مليون دينار مخرجات مؤتمر مكة ، و 60 مليون دينار من الاتحاد الأوربي، وسيجري تغطية باقي العجز عن طريق الاقتراض.

وقد يفاجىء المرء بحجم الاقتراض السنوي خلال العام القادم 2022 والبالغ نحو (7.569) مليار دينار الوارد في موازنة التمويل، لتسديد اقساط القروض وتغطية عجز الموازنة. ما يعني ان النفقات العامة للموازنة لا تشمل تسديد الاقساط المستحقة سنويا.

تعكس الموازنات العامة للدولة عمق الأزمة المالية والإقتصادية، وتكشف عن الخلل الخطير في السياسات المالية، وشكلت الإيرادات الضريبية نحو 75% من الإيرادات المحلية، معظمها إيرادات ضريبية غير مباشرة (ضرائب ورسوم جمركية على السلع والخدمات) واتسعت الفجوة بين النفقات والايرادات وبات عجز الموازنة يفاقم المديونية، وتكشف الايرادات ومصادرها والنفقات وابوابها، عن عدم توفر العدالة، فالمصدر الرئيس للايرادات جيوب المواطنين.

اما حصة اهم الوزارت في البلاد وزارتي الصحة والتربية والتعليم نحو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي للوزارتين، وهي أقل بكثير من المعايير الدولية المتعارف عليها والتي تقدر بنحو (5-7%) لكل قطاع من قطاعات الصحة والتعليم. اما نفقات الجهاز العسكري التي تقدر بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي تفوق متوسط المعايير الدولية بكثير، والتي تتراوح ما بين (2-4%). رغم اهمية دعم القوات المسلحة وتوفير الامن والاستقرار الا ان نسبة النفقات في الحهاز العسكري مرتفعة جدا مقارنة مع حجم الانفاق على الخدمات الصحية والتعليم وتوفير فرص العمل. إضافة الى تنامي فائدة الدين العام، وارتفاع بند الرواتب حيث بات يشكل نحو 68% من النفقات الجارية، نتيجة ارتفاع رواتب كبار الموظفين، وشيوع ظاهرة الموظفين الذين يتقاضون أكثر من راتب اضافة الى البدلات والمكافآت السخية.

الدين العام

اجمالي الدين العام الداخلي والخارجي المعلن رسميا نحو 36.354 مليار دينار، باستثناء ما يعرف بالالتزامات السابقة والتي لم تفصح وزارة المالية عن قيمة هذه الالتزامات وابواب انفاقها والجهات الرقابية التي اطلعت عليها، وهي مخالفة دستورية، وليس كما اورد وزير المالية في المؤتمر الصحفي، 29.448 مليار دينار حيث اسقط دين المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بوجه غير حق، بذريعة ان “الحكومة تقترض من نفسها”، اموال الضمان ملك للعمال وليست صناديق سيادية للحكومة، اما نسبة الدين العام المعلن وصلت 109% من الناتج المحلي الإجمالي، خلافا لنص المادة 23 من قانون إدارة الدين العام لسنة 2001 وتعديلاته التي نصت: «على الرغم من أي نص مخالف، لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للسنة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات».

وأصبحت فوائد المديونية تشكل عبئًا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، حيث بلغت 1428مليون دينار وتشكل حوالي 15.6% من النفقات الجارية، اضافة الى 153 مليون دينار قيمة فوائد الهيئات المستقلة، ولتغطية فوائد الدين العام المتصاعد، اتجهت الدولة نحو زيادة العبء الضريبي على المواطنين من جهة، وخفض النفقات الرأسمالية من جهة أخرى خلال السنوات الاخيرة، وتراجعت النفقات الرأسمالية إلى 11% من النفقات العامة، مقارنة بنحو 20% قبل دخول الالفية الثالثة، لذلك شهدت البلاد حالة ركود اقتصادي، ناجمة عن زيادة العبء الضريبي وخفض الإنفاق الرأسمالي، وقد بين مشروع قانون الموازنة ارتفاع نسبة النفقات الرأسمالية الى 14.5%، ومن المتوقع تراجع هذه النسبة كما جرى في السنوت الماضية، كما تراجعت الخدمات العامة بشكل ملموس، كما تراجعت البنية التحتية.

شارك المقال
  • كاتب و باحث اقتصادي
  • عضو الامانة العامة للتيار الديمقراطي التقدمي الاردني