إلى أصدقائي ورفاقي “المقاطعين” الأعزاء..

د.موسى العزب
4 دقيقة وقت القراءة
e82a

ألم ننصحكم بأن تقاطعوا؟!
بدت أصوات “البعض” فردية ومتفاوتة بالنبرة قبل عملية الاقتراع، ولكنها ازدادت حدة وطغى عليها شيئا من الشماتة والتهكم، وألبست بشيء من الحكمة بأثر رجعي بعد صدور النتائج!!

بداية، للجميع حق تبني وجهة النظر السياسية التي يعتبرها صائبة، والتعبير عنها، وتقديم النقد المستحق، خاصة وأن جميع من أقصدهم بكلامي هذا هم من المنتمين للصف التقدمي اليساري الذي أعمل جاهدا لأتمثل فكره وأعمل في صفوفه، ومن واجبنا جميعا تقبل النقد والنقاش لنلامس الحقيقة، ونصل إلى الفائدة والقواسم المشتركة، فحقل عملنا المشترك ليس مرتهنا بمحطة انتخاب أو خيار سياسي آني.

وهكذا فنحن ((نتفق جميعا بأن المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها -حسب الظروف والمعطيات- هي خيارات سياسية متاحة دون تشكيك أو تجريم)).

كما أنه من الممكن التوافق على حقيقة بأن المشاركة بالاقتراع الشعبي، ((ليس حدثا طارئا، وإنما هي محطة مستحقة من اشتباك سياسي مستمر ومتواصل)).

الأصل هو الاشتباك السياسي المستمر، وليس مجرد وضع ورقة في الصندوق!!

فالمشاركة أو المقاطعة تتجاوز مجرد تكرار سجال لفظي موسمي بين مشاركين ومقاطعين، إلى ما هو أبعد وأعمق من مجرد تصويت في استحقاق دستوري وسياسي، إلى اعتبارات المسؤولية في النظرة إلى قضايا الوطن بشكل عام، والرغبة في إعادة بعض الاعتبار إلى سيادة واستقلالية مؤسساته، وفهم أعمق لكيفية التصدي للأخطار الإقليمية، وصولا إلى تفعيل العلاقات البينية بين قوى المجتمع الحية التي تتبنى مواقف سياسية متقاربة، وتكريس شكل من الفعالية السياسية الميدانية المستمرة مع الناس والقوى الوطنية.

ندرك جيدا طبيعة السلطة، وكذلك قصور قانون الانتخاب، ولكننا نؤمن بأن المطلوب دوما في حالتنا -وحسب رأيي- هو في ضرورة تعزيز حالة من ((الاشتباك السياسي الدائم)).. وهدفنا في الوصول إلى ((بناء الأغلبية المؤهلة للمواطنة)).. وقناعة بأن المشاركة هي الأصل، وهي أكثر فعالية على بلوغ غايتنا من المقاطعة في هذا المجال، خاصة عندما لا يزيد الفعل “المقاطع” عن مجرد استنكاف عن المشاركة في عملية الاقتراع.
في وضع الأحزاب المنظمة والتي تحمل رؤية وبرنامج، أرى بأن خيار المشاركة يعتبر أقل ضررا، والأكثر قدرة على تعزيز الدور في المشاركة الشعبية للتأثير على القرار، وتحسين سوية الحياة السياسية وتجويد العملية الانتخابية.

المقاطعة ليست قرارا خاطئا بالمطلق.. ولكن!!

مقاطعة الانتخاب ليست خاطئة بالمعنى المطلق، ولكن المقاطعة حتى تكون عملية و”فاعلة” لا تكون فقط بمجرد مغادرة المشهد السياسي، أو في كتابة منشورات مقتضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل عليها أن تكون فعل سياسي إيجابي عام ومنظم ومؤطر، يرتقي إلى المشاركة الميدانية والتفاعل مع حركة الجماهير، والمقياس لا يكون بإبعاد الناس عن الفعل السياسي، وإنما بتعميق مشاركتهم في العملية السياسية، والعمل بينهم وتبني همومهم ومطالبهم.

الديمقراطية بالأساس هي “سيادة الشعب” ب “الوعي المستنير”..

والديمقراطية لم تعد تعني مجرد إجراء انتخابات مجتمعية دورية كل بضعة سنوات، بل هي في الأساس ((سيادة الشعب)). ولكن هذا ليس كل شيء، إن ما يهمنا في الديمقراطية هو النظام الذي يصبح فيه ((الوعي المستنير)) لدى الشعب هو السيد، وليس “سيادة الأغلبية المفتعلة” التي تفرز ممثلين سياسيين في سدة الحكم لا يعبرون بالضرورة عن الإرادة الشعبية، والواقع السياسي الغالب..

إذن دعونا نعمل معا -بما نتوافق عليه من مشتركات- في بلورة مشروعنا السياسي نحو انتزاع وتفعيل مساحات حيوية لممارسة الفعل السياسي المشترك؛ ((كالانخراط المنظم في قلب المجتمع المدني، وتأسيس جمعيات، والتحالف في النقابات، وبناء حملات وطنية فاعلة في مجال الصحة والتعليم والعمال والمرأة)).. لنمارس الديمقراطية في تعزيز المبادرات القائمة، وربط حلقات الشبكات الاجتماعية.

ولن يحصل هذا المشروع على اعتباره إلا إذا ربطناه سياسيا واجتماعيا مع الشعار الأشمل؛ ((الدولة الوطنية الديمقراطية))، من خلال الضغط الجماهيري للتصدي للحكم الفردي، وإطلاق الحريات، ومعالجة الفقر والبطالة، ومناهضة التبعية، وتعزيز الدور الاجتماعي الخدمي للدولة في المجتمع، والتصدي الفاعل لأخطار المشروع الإمبريالي الصهيوني على المنطقة.

شارك المقال
متابعة

الدكتور موسى محمد عبد السلام العزب
- مواليد عمان/ في 2 أيار 1951.
* حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة وهران/ الجزائر في العام 1978.
* عمل في المستشفيات والمراكز الطبية للهلال الأحمر الفلسطيني في سورية ولبنان، حتى العام 1982.
* حاصل على شهادة التخصص العليا في أمراض النساء والتوليد من الجامعات الفرنسية عام 1986.
* عمل طبيباً إختصاصياً لأمراض النساء والتوليد في مستشفى الهلال الأحمر الأردني لمدة 25 عاما، وعيادة خاصة حتى اليوم.
* عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
* منسق الحملة الوطنية، "صحتنا حق".
* ناشط إجتماعي ونقابي وسياسي وإعلامي، لمدة تمتد لأربعة عقود.

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading