معاهدة وادي عربة، ما بين فشل تسويق التطبيع والتمسك الشعبي بمناهضته

محمد العبسي
5 دقيقة وقت القراءة
معاهدة وادي عربة بين الأردن و "إسرائيل"

على الرغم من ارتباط الأردن بعلاقة مع “إسرائيل” منذ أكثر من ربع قرن، إلّا أن تلك العلاقة بقيت فقط على المستوى الرسمي، ولم تستطع الحكومات الأردنية المتعاقبة تحويل تلك العلاقة لتصبح واقعًا شعبيًا مقبولًا لدى المجتمع الاردني، حيث أن المزاج والموقف العام الأردني لا يزال يرى في “إسرائيل” عدوًّا استعماريًّا توسعيًّا.

فمنذ أن وقِّعت اتفاقية معاهدة وادي عربة في مثل تلك الأيام من العام 1994، بين الأردن والكيان الصهيوني، لاقت تلك المعاهدة رفضًا شعبيًّا، فضلًا عن تبلوّر لجان مقاطعة ومناهضة للتطبيع ورافضة لكل أشكال العلاقات معه.

نستطيع القول، أن كل محاولات الحكومات الاردنية لتسويق العدو الصهيوني وترويج التطبيع معه، جميعها باءت بالفشل، الأمر الذي جعل الحكومات الاردنية تُبرم اتفاقيات جديدة من شأنها أن تُجبر الشعب على التطبيع، ومن أبرزها اتفاقية استيراد الغاز من “اسرائيل”، هذه الاتفاقية، لاقت غضبًا شعبيًا كبيرًا، لاعتبارات أن الغاز والذي سيستخدم لتوليد الطاقة، سيدخل كل بيت، كذلك سيُدفع ثمنه من المال العام، مما سيجعل الجميع مطبِّع قسرًا مع هذا العدو.

التطبيع السياسي المُغلّف بالاقتصادي، كالغاز والمياه، ومحاولات إجبارنا على التطبيع

يرفض المجتمع الأردني اتفاقية الغاز لعدة أسباب بعد أن ثبت عدم جدواها، ولعلّ نجاح ذلك يعود إلى تبلوّر حملة وطنية لإسقاط الاتفاقية، انطلقت مبكرًا وانضوت فيها القوى السياسية والنقابية والاتحادات النسائية والشبابية، بحيث عملت على تفنيد جميع الحجج التي استخدمتها الحكومات لتبرير وتمرير الاتفاقية؛ فضلاً عن مئات الوقفات والمسيرات الاحتجاجية المناهضة لها التي اقامتها الحملة منذ انطلاقتها في نهاية العام 2014.

وأما الملف الأبرز وهو مشروع ناقل البحرين، والذي استخدمه العدو الصهيوني كأداة ابتزاز، منذ أن تم التوقيع على رسالة نواياه في العام 2013، وكان من المفترض أن يبدأ في العام 2015، ولكن تجاهلت الحكومات المطالب بإنهاء هذا المشروع، وانتهى هذا المشروع قبل أن يبدأ وبقرار صهيوني، ومع ذلك ظلت الحكومات متمسكة باستيراد المياه التي سرقها العدو منّا أساسًا، فضلًا عن التنازلات الكارثية التي قدمتها الحكومات عقب توقيع اتفاقية معاهدة وادي، حيث أعلن مؤخرًا ان الحكومة ستقوم بشراء المياه من العدو وتدفع ثمنها.

إن ما تقوم به الحكومات، يعد ضمن مسلسل محاولات ربط مشاريعنا والاستراتيجيّة منها مع العدو، لتجعل منا عرضة لابتزازات لاحقة يستخدمها العدو وقتما يشاء، الأمر الذي يتطلب جعل تلك الملفات ضمن أولويات عمل لجان مقاومة التطبيع.

أما التطبيع الثقافي كأحد أخطر أشكال التطبيع مع العدو:

لقد برز في السنوات الأخيرة التطبيع الثقافي بمختلف أشكاله، الأمر الذي جعل تجمعنا، تجمع اتحرّك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع، “وهو تجمع انطلق في أواخر العام 2008، إبان الحرب على غزة، يضعه ضمن أولوياته، إلى جانب عدد من لجان مقاومة التطبيع والمقاطعة، فنجحنا في رصد أغلب القضايا الطبيعية والتصدي لها وافشالها، بدأ ذلك في منع عرض فيلم لمجندة “إسرائيلية” في منتصف العام 2017، على الرغم من إجازته من قبل الهيئات الرسمية؛ تلا ذلك ثني عدد من الفنانين الأردنيين من الذهاب إلى الأراضي المحتلة عام 48، كذلك، منع تصوير فيلم في الأردن يشارك فيه ممثلين من الاحتلال بعدما حصلنا عن النص الكامل للفيلم وبعدها جرى الاتصال مع الفنانين الأردنيين وانسحبوا من التمثيل؛ ومؤخرًا نجحنا في إفشال مؤتمر السلام بين الأديان لوجود ممثلين عن الاحتلال وما يهدف إليه هذا المؤتمر.

وأما على الصعيد التجاري:

سرعان ما تبلورت حركات مقاطعة للبضائع الصهيونية حينما بدأت تغزو الأسواق الأردنية، حيث بدأت تلك الحركات بالتصدي لها، من خلال استمرارها بالزيارات للأسواق والتجّار؛ وقد تكللت تلك الجهود بنجاحات، لعلّ أبرزها اعلان مدينة الكرك بأنها مدينة نظيفة من البضائع الصهيونية، كان ذلك في العام ٢٠١٥، لتنقل تلك التجربة إلى باقي المحافظات والمدن الأردنية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، لم يكن الدور في مجابهة التطبيع منوطًا بلجان مقاومة التطبيع والقوى السياسية والنخبوية، بل تعدّى ذلك ليصبح ثقافةً سائدة في المجتمع الأردني؛ ولعلّ أبرز ما تم تسجيله، هو الموقف المشرِّف لعشيرة العبيدات، “وهي اكبر العشائر الارنية” حينما تبرأت من أحد أبنائها عندما أصبح سفيرًا للأردن في “تل أبيب”، حدث ذلك في العام ٢٠١٢، لتلحقها مؤخرًا عشيرة الروسان لتنشر بيانًا تتبرأ فيه من أحد ابنائها لاستضافته سفير الكيان الصهيوني في عمّان؛ فضلًا عمّا شاهدناه مؤخرًا، حينما هبّت القوى الاجتماعية الأردنية دفاعًا عن أهالي الشيخ جراح ودعمًا للمقاومة، كاسرين بذلك كل محاولات جعل القضية الفلسطينية قضية خاصة بالفلسطينيين.

ومن المهم الاشارة، إلى أن شعار إسقاط معاهدة وادي عربة والانفكاك من كل الاتفاقيات المُبرمة مع العدو الصهيوني، فإنه يرتبط ربطًا جدليًا مع مطالب القوى السياسية والشعبية المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

شارك المقال
متابعة
- عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية - منسق تجمع اتحرّك لمجابهة التطبيع - أمين سر حملة غاز العدو احتلال