8 أيار 1945.. 80 عاما على الانتصار على النازية.. والعالم إلى المزيد من العنف والحروب المدمرة

د.موسى العزب
4 دقيقة وقت القراءة
wr 960

شهدت العديد من العواصم الأوروبية فعاليات رسمية وشعبية لإحياء ذكرى 8 أيار التاريخية، في حين يمتنع أغلب قادة الاتحاد الأوروبي عن تلبية دعوة موسكو للمشاركة في احتفالاتها الرسمية، وكل عام بذرائع جديدة، في وقت تواجه فيه أوروبا من جديد خطر التحول إلى مسرح للصراع في ظل استمرار الحرب الأوكرانية.

في باريس ووسط حراسة مشددة، ترأس الرئيس الفرنسي ماكرون وكبار مسؤولي الدولة الفرنسية الإحتفال التقليدي الذي بدا باهتا، ومعزولا بغياب ضيوف إعتياديين من زعماء الدول الصديقة والحليفة التقليدية من أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية.
وفي موسكو، إستقبل الرئيس الروسي بوتين أكثر من 20 من قادة العالم جلسوا على المنصة الرئيسية، لإستعراض قوة الإتحاد الروسي العسكرية، وإظهار مدى اتساع التحالف الداعم لروسيا، مما يثير الكثير من التساؤلات بشأن تراجع النفوذ الأوروبي وفعالية حلف الناتو في مواجهة الخصم الروسي، حيث شهدت الإحتفالية بالمناسبة إستعراضا عسكريا وشعبيا كبيرين.

منذ 80 عاما تواجه فعاليات إحياء ذكرى الإنتصار على النازية شكلا من التجاذب والإستقطاب الحادين بين المعسكر الشرقي، والمعسكر الغربي، ورغم التضحيات الجسام التي قدمها الإتحاد السوفييتي في مواجهة الأطماع النازية ووحشية قوتها الغاشمة، في إطار فهم إنساني وعقائدي جذري لضرورة هزم النازية وإسقاط حصونها الفكرية، وتحطيم بنيتها العدوانية الإمبريالية، إلا أن التحالف الغربي يحاول جاهدا تبهيت الدور السوفييتي في هذا الإنجاز التاريخي، ونسب الإنتصار لنفسه، وإحتكار الفضل في الإنتصار الدولي، متناسيا طبيعة النازية والفاشية وتولدها من البنية الرأسمالية التوسعية، واضعا ذكرى “الهولوكست” في مركز إهتماماته ومعيار في إحتفالاته، متناسيا بالكامل طبيعة بنيته الإستعمارية والتحولات الخطيرة في بنية مجتمعاته نحو تأجيج العنصرية والفاشية وتوليد الحروب.

تحتفل أوروبا هذا العام ب”يوم النصر” بينما تتواطأ مع العدوانية الإسرائيلية على غزة وفلسطين، وهي تواجه من جديد خطر التحول إلى مسرح للصراع في ظل إستمرار الحرب الأوكرانية، وتعيش بين تهديد روسيا، وتلاشي الناتو المتدحرج، وسياسات ترامب صعبة الهضم.
وقد أدركت النخب السياسية الأوروبية مبكرا بأن تاريخ 8 أيار 1945 قد أشر جوهريا إلى نهاية حقبة القوة الأوروبية السيادية من منظور جيو-إستراتيجي، وأن نهاية الحرب العالمية الثانية ـ في حقيقتها ـ كانت تعني نهاية الدور القيادي للدول والإمبراطوريات الأوروبية في تشكيل الأحداث العالمية، بعد هزيمة وإنهاك الدول الأوروبية الكبرى، (ألمانيا وإيطاليا.. وبريطانيا وفرنسا).

وهكذا فقد أوجد عام 1945 قوتين كبيرتين في العالم؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وما تزال أوروبا تمر حتى يومنا هذا بأزمة متكررة ومستجدة لموقعها الجيوسياسي من خلال تبعات خطة مارشال، والدور الأمريكي الحاسم والمقرر في حلف الأطلسي، ويغذي كل ذلك اليوم “التفاهم” المرن بين البيت الأبيض برئاسة ترامب، والكرملين، والخشية الأوروبية من فقدان الدعم الأمريكي، ومواجهة القوة الروسية لوحدها، ما يعيد إلى الأذهان الموقف الأوروبي الواهن في التأثير على الأحداث حتى في بيتها ومعاقلها الأساسية.

غاب زعماء دول الإتحاد الأوروبي عن حضور العرض العسكري في موسكو وجاهة، ولكني أزعم بأنهم لم يتغيبوا عن مراقبة العرض الكبير الذي مخر الشوارع العريضة في موسكو..
سيدخل هؤلاء الى مكاتبهم الخاصة بصمت، يغلقون على أنفسهم الأبواب، بتوجس وقلق راجف.. يشغلون شاشاتهم الضخمة، وينزلقون في مقاعدهم.، وأنا متأكد بانهم قد شعروا بقشعرية تضرب ظهورهم، وعرق بارد لزج ينز من أطرافهم وحول رقابهم .

ستعكس هذه الاحتفالات عند شعوب روسيا ودول الإتحاد السوفييتي سابقا، الروح الوطنية الواعية، وعزيمة الشعب في إحياء ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، الذي شكل تحولا حاسما في مسار الحرب العالمية الثانية وحركة التاريخ.. وأن الشعوب هي العامل المؤثر والثابت في مسار التطور بكل أشكاله.
وبينما اعتمدت الولايات المتحدة على غطرسة القوة العسكرية مثل ألمانيا النازية بالضبط، واعتمدت على أخلاقيات الإبادة الجماعية بإلقائها القنابل الذرية على اليابان، فقد خاضت الشعوب الأصيلة ذات العمق الحضاري حربها، دفاعا عن قيم الحرية والسلام، وارتباطا بثقافة أصيلة متجذرة منذ قرون عديدة تعمق من قيم الوطنية والعدالة، وتكرم البطولة والتضحية وكرامة الإنسان.

شارك المقال
متابعة

الدكتور موسى محمد عبد السلام العزب
- مواليد عمان/ في 2 أيار 1951.
* حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة وهران/ الجزائر في العام 1978.
* عمل في المستشفيات والمراكز الطبية للهلال الأحمر الفلسطيني في سورية ولبنان، حتى العام 1982.
* حاصل على شهادة التخصص العليا في أمراض النساء والتوليد من الجامعات الفرنسية عام 1986.
* عمل طبيباً إختصاصياً لأمراض النساء والتوليد في مستشفى الهلال الأحمر الأردني لمدة 25 عاما، وعيادة خاصة حتى اليوم.
* عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
* منسق الحملة الوطنية، "صحتنا حق".
* ناشط إجتماعي ونقابي وسياسي وإعلامي، لمدة تمتد لأربعة عقود.

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading