نقاش ضروري حول المشاركة في الإنتخابات النيابية

د.موسى العزب
6 دقيقة وقت القراءة
fec18f9c

في ظل أجواء إستثنائية معقدة، يخيم عليها القلق الشديد من تداعيات الأزمة الإقتصادية، وإلإنغلاق السياسي، وفشل السلطة التنفيذية في التعاطي الفاعل مع معظم الملفات والقضايا الداخلية والخارجية، وتغولها مع أذرعها على الحريات، وباقي السلطات.

حيث تم تهميش وإبعاد السلطة التشريعية عن دورها وواجباتها بشكل شبه كامل في لحظة إستثنائية وحرجة من تاريخ الأردن داخليا وخارجيا.. وفي ظل ظروف تشهد إهتزاز الثقة بين معظم الفئات الشعبية والحكومة، وتنامي الإرتياب بمصداقية الطبقة الحاكمة، وقدرتها على مواجهة معظم التحديات المفروضة على الوطن.. ووسط تطورات إقليمية متفجرة وخطيرة، وعدوان صهيوني همجي ومتواصل على غزة وفلسطين، وإنفضاح إستهدافاته التصفوية على القضية الفلسطينية، وتهديده للكيان والوطن الأردني.. نرى بأن المواطنين مدعوون خلال ثلاثة أسابيع إلى صناديق الإقتراع!

بالطبع لم يحن الوقت بعد لطرح تقييم موضوعي شامل عن مجمل هذا الإستحقاق الوطني القادم، ولا على الخريطة الإنتخابية النهائية وطبيعة القوى والبرامج المشاركة والمتصارعة، ولكننا وإعتمادا على التجارب الإنتخابية السابقة، لا نستطيع أن نقلل من قيمة معظم التخوفات والشكوك التي تحيط بنزاهة إدارة الحكومة للإنتخابات، وما خبرنا عنها -رغم كل تطميناتها- من تدخلها الفظ في كل مراحل العملية الإنتخابية للتأثير على نتائجها ومخرجاتها، خاصة مع إغراقها للساحة الوطنية بأحزاب مستجدة أقيمت كهياكل وأطر لتمثيل فكر السلطة للمشهد الحزبي، تعمل على تأهيل وإعادة تدوير النخب البيروقراطية للسلطة، مع إصرارها على إبقاء كل التعديلات المتتابعة على القانون الإنتخابي منحازة ضد المرشح الوطني السياسي، ومرسومة لصالح مرشحي الأجندات تحت الوطنية، من أرباب المال السياسي الأسود؛ من مقاولين وإنتماءات عشائرية ووكلاء تجاريين وأثرياء الخصخصة، الذين يشاركون بالتحالف الطبقي الحاكم وتوابعه.

في هذه الدورة، أعلنت معظم القوى والأحزاب الأردنية عن نيتها المشاركة في الإنتخابات، حيث شهدنا خفوت أصوات الدعوة للمقاطعة بشكل لافت، وفتور ضجيج التراشق المعتاد بين المشاركين والمقاطعين في سابقة غريبة، يقابلها الإنشداد بقوة لما يحصل في غزة أمام فجور المجزرة الصهيونية، وإستمرار الإبادة الجماعية، في ظل تواطؤ وتخاذل كبيرين من الرسميات العربية والإسلامية، وسط توقعات بمقاطعة وإستنكاف تصويتي واسع في معظم الدوائر وخاصة في المدن والحواضر الكبرى، قد يساوي في إتساعه النسب المتدنية للدورة السابقة.

للحقيقة؛ فإن ظاهرة الإستنكاف عن الإقتراع ليست خاصة بنا، فقد بتنا نلمس هذه الظاهرة على الصعيد العالمي وحتى في الديمقراطيات البرجوازية الكبيرة المستقرة، حيث تسجل نسب الإقتراع تراجعا كبيرا في معظم الإستحقاقات الإنتخابية بغض النظر عن طبيعة النظام السائد، ويتساءل الكثير من علماء الإجتماع السياسي عن السبب وراء ذلك، وإن كان مايزال الإقتراع العام، يشكل الوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية في عالم اليوم أم لا؟!
حتى أن هناك من يعتبر بأنه من الخطأ في وقتنا الحالي، النظر إلى الإنتخابات والديمقراطية كشيء واحد أو متساوٍ.

ويرى البعض، بأن وصول النيوليبرالية إلى السلطة في أكثر من بلد برجوازي، وهيمنة نموذجها التابع والمشوه في بلداننا، ودورها الممنهج في تفتيت المجتمعات، قد سفّه من العملية الديمقراطية، وسحق العمل الهادف والمنظم، وعمل على تهميش اليسار والقوى التقدمية وشيطنتها، وإضعاف النقابات العمالية والمهنية، وقمع التحركات الشعبية الإحتجاجية، وإبقاء تقاسم السلطة محصورا بيد الطبقات المهيمنة، في ظل دور طاغي للأجهزة، ولرأس المال المالي والمضارب، ودخول بيوت المال والمصارف الكبرى مباشرة إلى حقل التأثير السياسي وقدرتها على إيصال ممثليها إلى رأس السلطة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الثقة بنتائج العملية الإنتخابية ومخرجاتها.

في حين يُعرّف علماء الإجتماع السياسي الديمقراطية؛ ب “أنها سيادة الشعب”، وليس مجرد إجراء إنتخابات مجتمعية دورية، لكنهم يضيفون: هذا ليس كل شيء.. إن ما يهمنا في الديمقراطية هو النظام الذي يصبح فيه “الوعي المستنير” لدى الشعب هو السيد، وليس “سيادة الأغلبية المفتعلة” التي تفرز ممثلين سياسيين في سدة الحكم لا يعبرون بالضرورة عن الحقيقة السياسية الغالبة، إذ لا بد من التذكير هنا بأن ثمة وسائل أخرى لممارسة السياسة”، كالإنخراط المنظم في قلب المجتمع المدني.. وتأسيس جمعيات.. وبناء حملات وطنية، ومبادرات وشبكات اجتماعية،

إذن المطلوب في حالتنا هو الإشتباك السياسي الدائم، وبناء الأغلبية المؤهلة للمواطنة!
هنا، تكون المشاركة بالإقتراع الشعبي، ليست حدثا طارئا، وإنما “محطة مستحقة من إشتباك سياسي مستمر”.

لا نمتلك كثيرا من الأوهام، ولكننا ننظر إلى مشاركتنا الحالية في الإنتخابات إلى ما هو أبعد وأعمق من مجرد تصويت في إستحقاق دستوري وسياسيي -رغم أهميته وضرورة إنجاحه- إلى إعتبارات المسؤولية والجدية في النظرة إلى الوطن بشكل عام وضرورة إعادة بعض الإعتبار إلى الفعل السياسي ومكانة المؤسسة، نحو فهم أعمق لكيفية التصدي للأخطار الإقليمية وتفعيل العلاقات البينية بين القوى السياسية الفاعلة، وتكريس شكل من الإشتباك السياسي الميداني بين الناس، ومع القوى الوطنية، نحو تعزيز الدور والأساليب في المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار وتحسين سوية الحياة السياسية وتجويد العملية الإنتخابية.

لن تأخذ هذه الرؤية إعتبارها إلا إذا تم ربطها سياسيا وإجتماعيا مع الشعار الأشمل؛ (بناء الدولة الوطنية الديمقراطية)، من خلال التوجه لمعالجة أسباب الفقر والبطالة، وتعزيز الدور الإجتماعي للدولة في المجتمع خاصة في مجالي التعليم والصحة، والتخلص من التبعية بأشكالها، والتصدي للمشروع الإمبريالي الصهيوني على المنطقة،

هذه ليست فزعة مشاركة، وإنما محطة في صيرورة سياسية متواصلة وممنهجة.

الوسوم
شارك المقال
متابعة

الدكتور موسى محمد عبد السلام العزب
- مواليد عمان/ في 2 أيار 1951.
* حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة وهران/ الجزائر في العام 1978.
* عمل في المستشفيات والمراكز الطبية للهلال الأحمر الفلسطيني في سورية ولبنان، حتى العام 1982.
* حاصل على شهادة التخصص العليا في أمراض النساء والتوليد من الجامعات الفرنسية عام 1986.
* عمل طبيباً إختصاصياً لأمراض النساء والتوليد في مستشفى الهلال الأحمر الأردني لمدة 25 عاما، وعيادة خاصة حتى اليوم.
* عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
* منسق الحملة الوطنية، "صحتنا حق".
* ناشط إجتماعي ونقابي وسياسي وإعلامي، لمدة تمتد لأربعة عقود.

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading