في الإعلام العالمي يبدو التشويق مرتفع جدا مع اقتراب موعد التصويت في الانتخابات الأمريكية، حيث بقي ثلاثة أيام على موعد الاقتراع، وفيها يبذل دونالد ترامب وكامالا هاريس كل جهودهما في المعركة، مع تطاير المواقف والكلمات من كلا الجانبين. في ظل تحديات شائكة لكلا المرشحين.
وفي قراءة سريعة في الصحافة الأوروبية الناطقة بالفرنسية، لاحظت بأن الموضوع قد سيطر على العناوين ومانشيتات الصحف الرئيسية وشارك في النشر حول الموضوع، مؤرخون ومختصون وكتاب كبار.
ويتفق معظم من قرأت لهم بأن النتائج ستكون متقاربة نسبيا مع ميل لترامب.
ويبررون هذه التوقعات بحقيقة أنه قد مرت سنوات منذ أن واجهت أميركا بعضها البعض بهذا الشكل الحاد، حيث تنظر كل منهما إلى انتصار الأخرى على أنه خسارة صافية لها. وتتفق أغلبية الكتاب بأن هناك أمريكيتان مع فرز عامودي عميق ومتفاقم. وبشكل متزايد أصبحت المنافسة شرسة ومتقاربة “لأن من بين الولايات الخمسين في الولايات المتحدة، هناك 43 ولاية أصبحت شبه معروفة وأصبحنا نعلم على وجه اليقين من سيفوز فيها”، وبالتالي لا يقوم أي من الحزبين حتى بحملات في هذه الولايات “المحسومة”. بالتالي لا يكلف دونالد ترامب نفسه عناء القيام بحملة في نيويورك أو كاليفورنيا، ولا تقوم كامالا هاريس بحملة في تكساس مثلا، بل يكرسون وقتهم بالدعاية في الولايات المتأرجحة.
ويضيف البعض: إذا ركزنا على ما يسمى “الجدار الأزرق”، أي الولايات الثلاث الرئيسية للطبقة العاملة في الشمال -ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا- فهذه الولايات حاسمة بالنسبة لكامالا هاريس للفوز بالانتخابات، وهي الولايات التي خسرتها هيلاري كلينتون في عام 2016 واستعادها بايدن في عام 2020. هذا هو المسار الذي يجب على الديمقراطيين اتباعه للفوز.
في هذه الولايات الثلاث. تظهر استطلاعات الرأي التعادل الافتراضي، ضمن هامش خطأ بسيط..
وحيث بدا جو بايدن تائها في مرحلة ما، جاءت كامالا هاريس لتوازن الكفة، ومثل وجودها وجها جديدا ربما أكثر رأفة في صورة القيادة الأمريكية عند الأمريكيين، مقارنة بصورة ترامب الذكورية الفظة، وعكست ديناميكية جديدة، في ما أسماه البعض: “التفاعل بين الجسم البيولوجي والسياسي في القيادة الأمريكية”، بعد أن مثل وهن بايدن البدني والذهني -بالنسبة للكثيرين- صورة أمريكا المتعبة. واليوم تلعب كامالا هاريس دور المرشحة الشابة البديلة لترميم الصورة، بينما يلعب ترامب بطاقة الشخصية الفظة، مع مشاكله القانونية الخاصة.
ويتساءل البعض: هل لدى أي منهما رؤية واضحة لأميركا؟
تاريخيا، كان لكل رئيس أميركي مهمة مزدوجة؛ النظر إلى الوراء وفهم جذور أميركا وتقديم رؤية مستقبلية. لكن رؤية ترامب حنينية للماضي بدرجة كبيرة، وتركز على العودة إلى عظمة الماضي. في حين أن هاريس لديها نهج موجه نحو المستقبل، لكنه أقل رسوخا في الماضي.
وفي خضم ذلك نلمس تغير ملحوظ للخطوط وسط الناخبين، وقد رأينا أن المجتمع العربي الأميركي والأميركي المسلم في ميشيغان قد توجه لدعم ترامب.
هذا يُسلط الضوء على تعمق في المواقف الاجتماعية المحافظة لترامب، وكذلك يستفيد ترامب من فائدة الشك عند البعض نحو السياسة في الشرق الأوسط. التي لم تحضر كثيرا في حملته، وتركها لسياساته السابقة في هذا المجال. هذه العناوين جعلت الناخب يشعر بأنه ليس لديه ما يكسبه مع الديمقراطيين، فلماذا لا يخاطر مع ترامب؟
من ناحية أخرى يرى بعض الكتاب بأن المجتمعات اليهودية واللاتينية قد بدأت تعكس تحولات مماثلة، وأن هذه الانتخابات تكشف عن ديناميكيات متغيرة في أنماط التصويت التقليدية: على سبيل المثال، يصوت العديد من الرجال اللاتينيين الآن لصالح ترامب، وقد يشير هذا الاتجاه إلى أن الناخبين الأميركيين يبتعدون عن التصويت القائم على الهوية، على الرغم من أن الجنس (الجندر) لا يزال يشكل عاملا مهما في التصويت.
وهذه الانتخابات شديدة التمييز بين الجنسين، مع وجود فجوة كبيرة بين الرجال والنساء في توجهات التصويت. هنا يمثل ترامب صورة “ذكورية” يتردد صداها لدى بعض الرجال الذين يميلون إلى المثلية، وكذلك عند حركات المرأة والنسوية التي تطرح قضايا مثل العنف الجنسي وحق الإجهاض.
يرى البعض بأن هذه الحملات الانتخابية قد شهدت كثيرا من الانقسامات والإهانات والابتذال ويفسرون ذلك بأن هذه الصفات بالنسبة لترامب، هي جزء من أسلوبه ويوافقه عليه كثير من مؤيدينه الذين شعروا بالغربة تجاه القادة الفكريين “المثقفين” أمثال أوباما. وهم يرون في ترامب الشخص الذي يتحدث “لغتهم”، على عكس هاريس، التي تمثل أسلوبا أكثر نخبوية.
يزعم كلا الجانبين أنهما يقاتلان من أجل “إنقاذ الديمقراطية”. وهذا يشير إلى الانقسام الكبير في المجتمع الأمريكي في كيفية تعريف كل جانب للديمقراطية نفسها؛ بين رؤية ترامب الأكثر محدودية والقائمة على الهوية، ونهج هاريس الأكثر شمولا وانفتاحا. هذا الانقسام له جذور عميقة في التاريخ الأمريكي.
في محصلة القراءة، هذا المناخ المنقسم بشدة، بحيث تواجه فيه الولايات المتحدة سيناريوهات متعددة في الخامس من تشرين الثاني؛ قد يفوز ترامب بهامش كبير، وإن فازت هاريس سيكون فوزها بفارق ضئيل، وفي هذه الحالة ستواجه أمريكا نتيجة متنازع عليها، مما قد يؤدي إلى معارك إعادة فرز الأصوات كما حدث في عام 2000.، وفي كل الحالات، فإن المخاطر عالية بشكل لا يصدق بالنسبة “للديمقراطية” الأمريكية، ولا يستبعد البعض إمكانية وقوع صراع مجتمعي أهلي.