قانون استثنائي بتبعاته وأخطاره، يُفرض على مجتمع يعاني من القلق والخوف بشدة، جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية، والانغلاق السياسي، وفشل السلطة التنفيذية في التعاطي الفاعل مع معظم الملفات والقضايا الداخلية والخارجية، وتغولها على الحريات وباقي السلطات، في لحظة استثنائية وحرجة من تاريخ الأردن، تشهد اهتزاز الثقة بين معظم الفئات الشعبية، والحكومة، وتعاظم الشكوك بمصداقية الطبقة الحاكمة، وقدرتها على مواجهة معظم التحديات المفروضة على البلد..
وسط تطورات إقليمية متدحرجة وخطيرة، تنذر باستهدافاتها المكشوفة بتصفية القضية الفلسطينية، وتهديد الكيان والوطن الأردني..
لم يكن ينقصنا إلا تأزيم المشهد السياسي بهذه الهجمة التشريعية العرفية، وتهاوي ما تبقى من أوهام حول أي دور تمثيلي مستقل لمجلس النواب، مما كشفت الطابع البنيوي للأزمة السياسية العميقة التي يعاني منها “النظام” السياسي الأردني، وتعطل عمل المؤسسات ومصادرة دور المجتمع المدني، والانزلاق المتسارع نحو تكريس الحكم الفردي المطلق، وتغييب كامل لصوت الشعب وإرادته الحرة عن ناصية القرار الوطني.
وصلنا إلى هذه الحالة بعد التمهيد لها بقوانين انتخابات وأحزاب مقيدة، أدت إلى تعاظم دور السلطة التنفيذية في الهيمنة على العملية الانتخابية ترشحا وتصويتا، وما تبع ذلك من نزع الثقة الشعبية بالعملية الانتخابية، وتعاظم نسب المقاطعين للانتخابات من كل نوع.
حيث يربط البعض، بين تراجع نسبة الناخبين أمام صناديق الاقتراع في العالم بشكل عام، مع تراجع الثقة بنتائج الانتخابات ومخرجاتها، وإن بدت هذه الرؤية نخبوية إلى حد كبير، إلا أنها تكتسب يوميا مزيدا من الأنصار على أرض الواقع.
أمام هذه الصورة القاتمة يتساءل الكثيرون: ما العمل؟ وهل ما زال الاقتراع العام، يشكل الوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية في بلداننا أم لا؟
وأصبح من الخطأ في وقتنا الحالي، النظر إلى الانتخابات والديمقراطية كشيء واحد أو متساوٍ.
ويرى البعض، بأن وصول النيوليبرالية إلى السلطة في أكثر من بلد برجوازي كبير، قد سفّه من قيمة العملية الديمقراطية على المستوى العالمي، وعمل على تهميش القوى التقدمية المنظمة وقلص دورها، وأضعف من دور النقابات، وجرّم التحركات الشعبية الاحتجاجية وقمعها، وأبقى الصراع على السلطة محصورا بين أطراف النخب اليمينية المهيمنة، في ظل سطوة رأس المال المالي والمضارب، ودخول بيوتات المال والمصارف الكبرى مباشرة إلى حقل التأثير السياسي بإيصال ممثليها إلى رأس السلطة.
في حين يعتقد الكثيرون، بأن عصر تقدم تكنلوجيا المعلومات والاتصالات، قد أتاح لنشطاء هذه الوسيلة من أفراد ومؤسسات، مشاركة سياسية “مزعجة” أكثر اتساعا وتأثيرا حتى من بعض المراكز والهيئات السياسية الرسمية.
تغول السلطة التنفيذية، وتفشي الفساد، وتكريس الدور الصوري لمجلس النواب، يلح علينا بفرض تعريف جديد للديمقراطية: بأنها “سيادة الشعب”، وليس مجرد إجراء انتخابات مجتمعية دورية.. ولكن “هذا ليس كل شيء.”. إن ما يهمنا في الديمقراطية هو النظام الذي يصبح فيه “الوعي المستنير” لدى الشعب هو السيد، وليس “سيادة الأغلبية الشكلية المصطنعة” التي تفرز ممثلين سياسيين في سدة الحكم لا يعبرون بالضرورة عن الحقيقة السياسية، إذ لا بد من التذكير بأن ثمة وسائل أخرى لممارسة السياسة”، كالانتظام في قلب المجتمع المدني.. وتفعيل دور الأحزاب الحرة والجمعيات والنقابات.. وبناء مبادرات جماعية، وشبكات اجتماعية.
مع الاستمرار في الحراك لرفض القوانين العرفية المُقيدة، علينا العمل لتطوير أدواتنا السياسية وتشكيل أطر برنامجيه منظمة تشاركية وموحدة، والعمل بين الناس ومؤسساتهم المجتمعية لتحسس همومهم ومطالبهم.