المرأة من الهم الإنساني إلى الهم الوطني

د. نهاية برقاوي
7 دقيقة وقت القراءة

تتعدد المدارس الفكرية في تناول المرأة بتعدد  مجالات الحياة البشرية بأجمعها على أساس تاريخي وأساس راهن، وهذا يقود إلى منحيين:

•        المنحى الأول إما الغرق في محيط هائل من القضايا مما ينتهي بالبحث إلى عموميات ونتائج فضفاضة لا تُثمر في تطور المجتمع حيث يصعب الاعتماد عليها وحصره.

•        أو إلى حصر التناول في مجال محدد وهذا أجدى وأنفع للإنسانية والمجتمع.

ولكن حصر التناول من أجل الحفر عميقاً في الموضوع المحدد يجب أن يكون طِبقاً للواقع والبيئة والوطن الذي تعيش فيه بحيث يكون الموضوع قيد التداول من الأهمية بمكان للوطن والأمة التي تعيش فيها.

سأركز هنا على مجالين:

الأول: هموم المرأة بما هي مرأة، وهذا مدخل إلى المجال الثاني والأهم

والثاني: وهموم المرأة الأردنية بشكل خاص والتحديات التي تواجهها.

هموم المرأة كامرأة أينما كانت

تناولت الأدبيات سواء ما كتبته النساء أو الرجال أموراً عديدة وهامة في الوقت نفسه عِبر بحثها ظروف النساء.

نعتقد أن أهم ما يجب تناوله في مسألة المرأة ما يلي:

أولاً: دور المرأة في إعادة إنتاج المجتمع بيولوجياً

وبالتالي فإن من حق المرأة أن تعيش حياة أخلاقية وطبيعية وحرة وأن يُحسب لها هذا الحق بناء على دورها المركزي في بقاء البشرية . إن هذا المجال تحديداً يُميز المرأة عن الرجل ويؤكد أنها أساس المجتمع. ومعروف بالطبع كم يستهلك الإنجاب من صحة وعمر وجهد المرأة مما يوجب تقدير ذلك من السلطة والمجتمع والأسرة أيضا. وبكلام آخر، المرأة تتميز خلقا في مجال والرجل في آخر ومن هنا وجوب تقدير الجانبين وهذا ما تنبه له باكرا الجاحظ وابن رشد قبل مختلف الفلاسفة الغربيين. وهنا علينا التذكر أن مجتمع أثينا الذي يعرضونه لنا كنموذج للديمقراطية كان يُميز ضد النساء وحتى يبيح  ممارسة  الجنس خارج الزواج وكذلك ممارسة الجنس كل مع الآخر وهذا ينفي احترام المجتمع للمرأة وتقدير مكانتها

ثانياً: دور المرأة في العمل والإنتاج

فالمرأة قادرة على ممارسة معظم الأعمال التي يقوم بها الرجال. وكلما تقدم المجتمع علميا وصناعيا وتقنياً كلما تم تطويع مجالات جديدة في الطبيعة بحيث تصبح المرأة قادرة على ممارستها. وهذا أمر علينا أخذه بالاعتبار كي يستفيد المجتمع من قدرات المرأة لأنه لا نهوض لمجتمع بنصفه فقط.

ثالثاً: دور المرأة الرضاعي والتربوي والمنزلي

وهذا كما هو معروف تاريخياً يقع على المرأة وحدها تقريباً مما يوجب على السلطة أخذ هذا الأمر بالاعتبار وخاصة اعتبار أن هذا عملاً منتجاً لأنه يوفر للعاملين والمنتجين الظروف المعيشية والغذاء  كعوامل أساسية تمكنهم من أداء أعمالهم الفردية والإنتاجية والوطنية. ولذا توصل كثير من الباحثين إلى وجوب اعتبار العمل المنزلي عملاً يولِّد قيمة وبالتالي يجب إضافته إلى الناتج المحلي الإجمالي للمجتمع بمعنى الإقرار بأن هذا دور وخدمة اجتماعية من المرأة  أي أن لها دور أساسي في إعادة إنتاج قوة العمل المجتمعي اقتصاديا وعلميا وثقافيا ونفسيا وقوة الدفاع عن الوطن

رابعاً: الدور الوطني:

ربما يفضل البعض تسمية هذا ب الدور السياسي. ليس الأمر في الخلاف على المصطلح وإنما الأساس هو أن المرأة قرينة الرجل في حماية المجتمع تجاه العدوان الخارجي وسلامة الأمة. وتتضح أهمية هذا العامل في تجارب الأمم في الحروب حيث تتعرض المرأة في وضع الأمم المهزومة لاضطهاد ولاستغلال مضاعف مقارنة بالرجل بهدف كسر الروح المعنوية للمقاتلين مما يوجب أن تكون المرأة مقاتلة أيضا.

خامساً: حقوق المرأة:

إضافة لما ورد أعلاه تنشغل الأدبيات في تحديد وتصنيف نطاق المساواة او عدم المساواة بين الرجل والمرأة، مثلا: حق المرأة في العمل، النشاط السياسي، التعليم، الانتخاب، السلطة…الخ. وكثيراً ما يلخص البعض هذا الأمر في مصطلح تمكين المرأة. وهو ما سنركز عليه قليلاً:

والتمكين في الحقيقة هو إصلاح وتساوق مع التيار السائد في الغرب الرأسمالي والذي يتم نسخه عن أدبيات بلدان الغرب الرأسمالي  نسخاً لا يأخذ بالاعتبار فارق البيئة والتطور، الأمر الذي قد تنشأ عنه تبعية ثقافية عبر استيراد المصطلحات والأطروحات التي هي أكثر كلفة وأكثر ضررا مما يجعل المرأة مستوردة لثقافة خارجية تقود الى التبعية الاجتماعية تماما كالتبعية في الاقتصاد والسياسة والثقافة…الخ.

يسيطر على مفهوم التمكين الجانب الاقتصادي بمعنى توفير فرصة امتلاك مشروع معين للمرأة كي تصبح “مستقلة” اقتصاديا كالرجل، هذا إذا كان هو نفسه مستقلا!

ولكن هذا لا يعني قط أنه الحل المناسب للمسألة، فكثيراً ما يكون دخل أو إنتاج المرأة العاملة أو مالكة مشروع معين محتكَر من الرجل أو للذكر في الأسرة.

أن يتم ذلك في مناخ الحماية المجتمعية للنساء وتمكينهن من المشاركة في العمل النضالي وفي العمل الإنتاجي والتربوي والثقافي.. الخ.

وهذا يشترط حماية المجتمع نفسه من اختراق المؤسسات الأجنبية التي تهدف تفكيك وإضعاف الروح الكفاحية للمجتمع وخاصة استهداف النساء وذلك بمنح من هذه المؤسسات الغازية.

إن أحد آليات حماية المرأة الأردنية من غزوات الغرب الرأسمالي بما هو حاضن وحليف للكيان الصهيوني هو رفض الغزو الغربي عبر التمويل الأجنبي بما هو تمويل مسموم. وهذا يعني وجود نظام أو قوى وطنية تعمل على اعلى عدالة اجتماعية ممكنة وتوفير كفاية الحاجة وخاصة للنساء كي يقمن بدور تربوي مستقيم لأبنائهن وبناتهن.

وفي هذا السياق يمكن للمرأة الوطنية أن تربى أبنائها وبناتها على روح العمل، وعلى مقاطعة منتجات الأعداء، كل الأعداء وليس فقط الكيان الصهيوني أي الدول التي تدعم الكيان.

كما يمكن للمرأة التي تحظى بتقدير واحترام الزوج أو الأخ أن تكون مناضلة بشخصها ومناضلة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ما نقصده هو أن المقاومة هي فرض عين وليست فرض كفاية وبهذا هي واجب المرأة والرجل معاً، وهذا يفتح على مسألة هامة أخرى وهي تقوية وتعميق الوعي الوطني لدى المرأة الأردنية.

هذا مع العلم أن الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية  تؤكد أن المجتمع العربي والشرقي هو الأشد والأعمق من حيث التعاضد والروابط الروحية والنفسية ولكن حين يكون الصراع والتحدي وطنياً ووجوديا يتم إعلاء المقاومة فوق كل اعتبار.

أخيراً، يجب تحصين المجتمع عامة والمرأة خاصة من الهجمة الشاملة الجديدة من الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وهي الهجمة التي انتقلت من رفض الزواج، وتفكيك الأسرة والوصول إلى الدعوة لوضع لغة خاصة بالنساء، إلى الدعوة للمثلية وما شابه. وفي الحقيقة، فإن كافة أنواع هذا الشذوذ مولده الأساسي هي الحركة الصهيونية ومن هنا فإن مجتمعنا العربي والشرقي هو هدفهم الأول.

شارك المقال
د. نهاية برقاوي مسؤولة رابطة المرأة الأردنية "رما"