كرة القدم والسياسة

فاروق طباع
7 دقيقة وقت القراءة

التجمعات البشرية بمختلف اشكالها وبنيتها وصلابتها وظروف تشكيلها ونشأتها هي عبارة عن مجموعة من الناس يتفقون على مبادئ أساسية معينة في موضوع معين.

أول ما جمع البشر في مجموعات هي فكرة العائلة ورابطة الدم التي هي بالأساس تجمعات تهدف الى توفير المتطلبات الأساسية للإنسان من مأكل ومشرب ومأوى وغيرها من اساسيات الحياة التي جعلت من العائلة اقوى رابطة بشرية عبر التاريخ رغم اختلاف شكلها من مجتمع لأخر ومن زمن لأخر, ولكن اليوم هناك روابط اكبر من العائلة ولكنها ليست اقدم منها وتوجه البشر لروابط اخرى لان العائلة أصبحت لا تعطي الفرد شعور مهم وهو شعوره بالانتماء واحيانا التجانس المطلوب وهذا لان شكلها اختلف عما كانت عليه من قبل, فصغر حجمها بالمقام الأول, وأصبحت جزء من كل المجتمع وليست كل المجتمع كما كان قبيل الثورة الصناعية في المجتمعات الزراعية والبدوية, ومع انطلاق الثورة الصناعية وانتهاء فترة الاقطاع اصبح المجتمع اكبر من قرية بل مدينة, وهذا بالإضافة لزيادة عدد السكان وهذا مع دخول القرن العشرين, بالإضافة لدخول البشر في عصر الاستهلاك المفرط الذي صنعته الشركات لتسويق منتجاتها في التجمعات البشرية المختلفة وهو ما ساعد على تطوير التجمعات الترفيهية ككرة القدم الرياضة الأكثر شعبية وجماهيرية على مستوى العالم ,فأصبحت لغة يفهمها اغلب البشر على اختلاف لغاتهم.

ولكن ما علاقتها بالسياسية؟ وهل يصح ربطها بالسياسية من الأساس؟ وهل ربطها صحيح ام هو تشوه لكرة القدم؟ وهل هي كما يقول البعض عنها “افيون العصر” فهو لتشتيت انتباه الناس عن السياسة وعما يدور حولهم؟

كرة القدم هي تلك التي تلقب بالساحرة المستديرة التي تلفت انظار العالم اجمع عندما تدور فكأس العالم الذي أقيم في قطر عام 2022م شاهده أكثر من خمس مليارات شخص حول العالم وكأس العالم على سبيل المثال يعد اكبر تظاهرة بشرية في التاريخ, فيشاهد فعالياتها ومبارياتها من الملاعب التي تدور في فترة شهر تقريبا حوالي مليون ونصف, وهذه الارقام لتوضيح اهميتها وقراءة الصورة بشكل اقرب الى الواقع وبعيدا عن الخيال والمبالغة, والفيفا “الاتحاد الدولي لكرة القدم” يعد اكبر اتحاد عالمي للدول فهو يضم 211 دولة في حين منظمة الامم المتحدة تضم 193 دولة.

اما عن قصة ارتباط كرة القدم بالسياسة فهي قصة قديمة قدم ظهورها, ففي أوروبا منذ عقد الثلاثينيات شكلت انتصارات المنتخب الإيطالي وفوزه بكأس العالم سنتي 1934م و1938م تجليات الحقبة الزاهرة للدوتشي موسولويني الذي أعاد أمجاد الرومان, وهو الخطاب الذي سوقه جهازه الإعلامي للجماهيرالإيطالية, وفرانكو وريال مدريد أبرز قصص تسييس كرة القدم, إذ سخر الجنرال الإسباني كل سبل الدعم المادي والمعنوي لتيسير اكتساح ناديه لأوروبا إذ احتكر مسابقة دوري الأبطال في نسخته القديمة لعدة مواسم متتالية خلال حقبة الخمسينات, وغيرها من المواقف التي تأكد ارتباط السياسة بكرة القدم, ولعل اقرب حدث لربط السياسة بكرة القدم هو ما حدث في روسيا واوكرانيا وتضامن ملاعب اوروبا مع اوكرانيا في دورياتهم المحلية والقارية بالاضافة لحرمان الأندية الروسية والمنتخب الروسي من المشاركات القارية والدولية, وغيرها من الحوادث المشابهة عن ارتباطها بالسياسة والمجتمع. 

ومع هذا كله هل يصح ربطها بالسياسة وهل ربطها تشويه لفكرة كرة القدم؟

بالنظر لكرة القدم على انها رياضة ترفيهية فتكون الاجابة على السؤال: لا يصح ربطها بالسياسة ويجب ان تكون مستقلة بعيدة عن كل الميادين السياسية والاجتماعية, وهنا نكون قد تناسينا اهم عنصر في هذه الرياضة وهو الجماهير, فأن ربط السياسة بالرياضة هو امر حتمي وليس قرار, فجمهور هذه الرياضة ارتبطوا بها لانها اشبه بالحياة ففيها الحزن حينما يخسر فريقك المفضل والفرح حينما يفوز والشعور بالانتماء له والحب للاعب فريقك والكره لللاعب الخصم والغيرة من الفريق الاقدر على النصر وولادة لاعب ماهر جديد وموت لاعب كبر في السن واعتزل كرة القدم وتكوين الذكريات مع هذا الفريق او ذاك, فضلا عن ذلك الانتماء للمنتخب الوطني الذي اصبح يعتبر جزء من الوطنية بل اصبح هناك شك بوطنية كل شخص لا يشجع المنتخب الوطني لدولته فهي اكبر من رياضة واكبر من كونها بمعزل عن المجتمع بل تنطبق عليها معاير المجتمع في كل القضايا السياسية, وهنا نقول ان ربط السياسة بالرياضة هو امر حتمي.

 اما عن كونها كما يقول البعض عنها “افيون العصر” فهو لتشتيت انتباه الناس عن السياسة وعما يدور حولهم فهذا ايضا اغفل الجانب الاهم في كرة القدم وهو الجماهير, وهذا لان الجماهير في بعض الاحيان تصبح حركات سياسية اكثر رديكالية من الاحزاب السياسية التي تعد رديكالية, وهنا نذكر حدث شاهدنا به مشجعين الاندية الرياضية اقرب الى محرك في الثورات السياسية المختلفة مثل ثورة 25 يناير في مصر فكان “التراس اهلاوي” و التراس الزمالك “وايت نايتس” محرك اساسي في الثورة وسقط منهم عدد لا بأس به من الشهداء مثل حادثة استشهاد عدد كبير من التراس اهلاوي “حادثة بورسعيد” الذي استشهد بها 72 شخص و”واقعة الجمل” واستشهد منهم شخصين, وغيرها من الحوادث في عدد من الدول مثل المظاهرات التي عمت ارجاء البرازيل عقب كأس العالم عام 2014م بعد خسارة المنتخب البرازيلي من المانيا في دور نصف النهائي بنتيجة 7-1 وهذه المظاهرات كانت تحمل شعارات ضد تنظيم كأس العالم الذي حمل مزانية الدولة عبء كبير, ان هذه الامثلة وغيرها نرى من خلالها جواب سؤال هل كرة القدم افيون الشعوب.

وهنا نطرح سؤال لنفي فكرة ان كرة القدم افيون للشعوب, لماذا يحارب الاحتلال اي فكرة لتشكيل التراس لفريق فلسطيني في الضفة الغربية او غزة؟ وجوابه بكل بساطة لان اي تشكل لرابطة لجماهير نادي رياضي معين ستتحول حتما لحركة مسلحة, بحكم التماس المباشر مع الاحتلال والاحتلال على علم بهذا جيدا, لهذا يتم محاربة الرياضة ومحاربة اللاعبين التي تصل في اغلب الاحيان الى استشهاد اللاعبين والمشجعين او اصبتهم باعاقة في بعض الاحيان لكي لا يلعبون كرة القدم مثل استشهاد اللاعب احمد درغام الذي استشهد برصاص الاحتلال.

ولا ننسى ان كرة القدم تعتبر واحدة من اكبر التجارات عبر العالم, وهذا ما جعل دور وكلاء اللاعبين المسؤولين عن بيع عقودهم اشبه بسوق نخاسة ووصفهم البعض بأنهم مافيا لنهب مقدرات الدول والشعوب, فنرى اسعار خيالية تصرف على شكل رواتب وشراء عقود, وهذا بسبب انهم وجه اعلامي لمكينة اعلانية للشركات متعددة الجنسيات فقط لا غير.

وجب علينا معرفة كرة القدم وتأثيرها على الشعوب وكيف لهذه الرياضة القدرة على تغيير الجغرافيا والسياسة والتاريخ, فكما استخدمت الشركات كرة القدم لتسويق منتجاتها وخدماتها هناك من يستخدمها من اجل تمرير اجندات وسياسات معينة, فهي اكبر من مجرد قطعة من الجلد المنفوخ, لكن لماذا هي اكبر من هذا؟ ببساطة لانها تجمع بشري وكل تجمع بشري هو تلقائيا سياسة.   

شارك المقال