أيام قليلة تفصلنا عن العملية الانتخابية في 10 /9، لكن المتابع لسير العملية الانتخابية، يخرج بخلاصة مفادها تراجع العنوان السياسي امام الصراع المحتدم بين اقطاب رأس المال، والذي أصبح للأسف الشديد المحرك والعامل الرئيس للعملية الانتخابية.
صحيح ان هذا الإنفاق في الحملات الانتخابية يحرك قطاعات مثل المطاعم، محلات الحلويات، وسائط النقل، المطابع، شركات الدعاية والاعلان، بالإضافة لتشغيل بعض العاطلين عن العمل ولو لفترة محدودة، وهو مايمكن تعريفه ب”اقتصاد الانتخابات”، لكن مايتم صرفه سواءً من قبل القوائم الحزبية او المرشحين في هذه الدورة لم نشهد مثيلاً له مطلقاً، رغم كل ماقيل عن الصرف في إنتخابات 2020 والتي جرت في ظل الجائحة في 2020.
ان ما نسمعه عن حالات البذخ والاستعراض في الصرف على حملات المرشحين او القوائم غير مسبوق وفاق التصور وبدأ يطرح في اوساط العامة اسئلة تستحق التأمل، مثل ماهي الفائدة المرجوة من الوصول للبرلمان بعد ان يقوم هذا المرشح اوذاك بدفع كل هذه المبالغ الفلكية!! هل هو من أجل البحث عن الشهرة!!
ام أن رأس المال يسعى للوصول للسلطة!! ام ان تركيبة السلطة في بلادنا تغيرت وهي التي باتت تبحث عن رأس المال!!!
ام ان هناك تزاوج مابين السلطة ورأس المال على حساب أغلبية منهكة مفقرة لم تعد تستطيع توفير الحد الأدنى من مستلزمات بقائها.
لقد حددت الهيئة المستقلة للإنتخابات السقوف بالصرف على الحملات الانتخابية بخمسة دنانير للناخب في الدوائر المحلية وتحديداً عمان والزرقاء، وثلاثة دنانير لباقي الدوائر، وبما لا يزيد عن(100) مئة الف دينار للقائمة المحلية و(500) الف دينار للقائمة العامة، لكن مانراه بأن هذه الأرقام على ضخامتها قد تم تجاوزها بعشرات المرات، فما نسمعه بأن هذه القائمة أو تلك قد اقامت مهرجانا للقائمة تجاوزت كلفته 80والف دينار وان هذا المرشح اوذاك قد أنفق في افتتاح مقره الانتخابي عشرات الاف من الدنانير.
أرقام انا ومعي ملايين من الاردنيين لا نعرف كيف تكتب هذه او كيف يتم عدها، ملاحظة ظاهرة العيان، فهذه الانتخابات طغى عليها المال الاسود وتسيد عنوانينها كبار المتمولين والتجار وغاب عنها أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير المنشود واختفي فيها الشعار السياسي الا عند بعض القوائم التي لايصل عددها عدد أصابع اليد الواحدة، والتي بدورها لاتستطيع ولا يمكن لها مجاراة رأس المال الذي يتسابق فيما بينه بمن يصرف ويستغل معاناة الناس أكثر.
ورغم كل هذا الذي يصرف لم يستطع هؤلاء ان يشكلوا قناعة لدى الاغلبية بأهمية المشاركة في الانتخابات، أو حتى مشاركتهم في افتتاح مقراتهم الانتخابية، فمعظم الوجوه تتكرر وتلبي دعوة هذا المرشح او ذاك.
لكن الاغلبية الصامته من شعبنا وإن كانت تراقب بصمت ولاتعبر عن ما بداخلها، لكن لديها القدرة على محاسبة كل الذين لم يكونوا اهلاً لتمثيلهم.
صحيح بان هذا موقف قد يعد سلبياً، لكن في المقابل ماذا يعني ان تترشح مجموعة من “نواب الصدفة” لم يشاركوا في حوار او يقدموا سؤال او راقبوا أداء الحكومة وبعضهم حتى جلسات المجلس لم يحضرها، ويترشح مجدداً مقدماً نفس الوعود التي طرحها سابقاً على ناخبيهم، متحدثين عن البطولات التي قاموا بها.
ان اللحظة السياسية تتطلب برلمان قادر على مواجهة التحديات المحدقة بالأردن وفلسطين والمنطقة، نواب قادرون على التصدي للفساد الذي غاب كمفهوم عن هذه الانتخابات، نواب يقدرون دورهم كسلطة تعبر عن إرادة الشعب الذي هو “مصدر السلطات” نواب لديهم معرفة بالدستور وبالتالي الدور الذي منحه الدستور للنائب كمشرع ومراقب على اداء السلطة التنفيذية، والتي هي بدورها تغولت على باقي السلطات، وأصبح وظيفة العديد من اعضاء البرلمان الأساسية التقرب من الحكومة وارضائها.
لكن في المقابل نرى للمعادلة وجه اخر فالناخب الذي يقوم ببيع صوته بعشرين او خمسين من الدنانير، عليه ان يعرف انه لايقل خطورة عن الذي اشترى، رغم كل المبرراًت التي يمكن أن يقدمها، الحاجة، تسديد فواتير متراكمة.. ربما يكون ذلك صحيحاً وتحديداً عندما يتم الحديث بان مجلس النواب في الدورات الأخيرة تنازل عن دوره ولم يعد له الدور المؤثر الذي وجد من أجله.
فالمرشح الذي يسعى للوصول إلى قبة البرلمان بطريقة تستغل حالة العوز وحاجات الناس، ويستغل ايضاً عدم الثقة لدى قطاعات واسعة بمخرجات العملية الانتخابية، تأكدوا تماماً بأنه لايستحق الاحترام وهو ليس إلا شخص انتهازي،
وبعيداً عن التسويق الذي يقوم به ثلة أصبحت تعرف عن نفسها بانهم عرابي الانتخابات، وهم بالمناسبك ليسوا سوى “سماسرة الانتخابات”.
ان من يقوم ببيع صوته، ومن حيث يدري او لا يدري، فهؤلاء ببيع أصواتهم هم يساهمون في تعميق الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد.
ونؤكد للذين يقومون ببيع أصواتهم وأصوات من يمونون عليهم، بان بيعك لصوتك يعني ان لا إمكانية لديك بمحاسبة النائب او حتى توجيه نقد له، لانك عرضت صوتك للمقايضة ومن على قاعدة العرض والطلب.
إن الأردني الذي انتخب القيادات الفاعلة في الخمسينات وفي نهاية الثمنيانيات من القرن الماضي، لا يمكن أن تغيره الحاجة مهما كانت ملحة، فانا على قناعة لا يساورها الشك بان شعبنا في اللحظات الحاسمة ينحاز لخياراته الوطنية، ولايمكن ان يقبل ان يكون محطة للمساومة او البيع والشراء.