لم تخرج قضايا المرأة عربيا أو عالميا من سيطرة رأس المال واستغلاله للمرأة بكافة الصور، في زمن استمرار الحروب وغياب العدالة، ودفع الأثمان تُعلن هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن شعارها في اليوم العالمي للمرأة 2022 “المساواة المبنية على النوع الاجتماعي اليوم من أجل غدٍ مستدام”، مُشيرة الى مساهمات النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، اللائي يقدن مهمة التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من حدته، والاستجابة له لبناء مستقبل أكثر استدامة للجميع على حد تعبيرها.
لن أقلل من أهمية أي مساهمة أو انجاز للمرأة في أي ميدان، ولكن في زمن الحروب، زمن الهيمنة الرأسمالية، زمن عنجهية المستعمر بأشكاله المختلفة في وطننا العربي، لن نتوقف أمام هذا الشعار المنمق، وإنما علينا الالتفاف الى تقارير الأمم المتحدة عن واقع المرأة في الأردن كنموذج يُعمم على غالبية الدول العربية.
المرأة في تقارير الأردن
بحسب تقرير “حالة المساواة بين الجنسين في الأردن العام 2021 سُجل تراجع مؤشر المساواة بعد أزمة كورونا حيث زادت الفوارق بين الجنسين في العديد من القطاعات.
حافظ الأردن على ترتيبه السنوي في تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون لعام 2022” الذي يبحث في الإصلاحات التي تدعم المساواة بين الجنسين ليكون ترتيبه 46.9 نقطة من 100. وذكر ذات التقرير بأن الأردن يحتل المرتبة 25 بشأن القيود المفروضة على حرية تنقل المرأة مُشيدًا بالسماح للمرأة بالحصول على جواز سفر بنفس الطريقة التي يُسمح فيها للرجل.
وأوضح التقرير عددًا من المؤشرات والاختلافات القانونية بين الرجل والمرأة في عدة مجالات، حيث بقي عند النقطة 0 من أصل 100 بشأن القوانين التي تؤثر على قرارات المرأة في العمل، وبقي 75 نقطة من أصل 100 في القوانين التي تؤثر على أجر المرأة للعام الثاني على التوالي. أما القيود المتعلقة بالزواج، أبقت مكان الأردن ثابت في القوانين التي تؤثر على عمل المرأة بعد الإنجاب دون تطور يذكر، إضافة إلى قوانين الاختلاف في الميران والملكية أيضا.
وأشار التقرير إلى تحمّل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي دفع بدل رعاية الطفل في الحضانة لمدة 6 أشهر وفقًا للأجر الشهري للأم المؤمن عليها، والعمل، وحالة التأمين “فيما أشار إلى أنه لم يلحظ أي إصلاحات جديدة” وفق هذه المؤشرات للأردن خلال العام الماضي من 2 تشرين الأول/أكتوبر 2020 إلى 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2021. وأضاف أنه “عندما يتعلق الأمر بالقيود المفروضة على حرية التنقل، والقوانين التي تؤثر على قرارات المرأة في العمل، والقوانين التي تؤثر على أجر المرأة، والقيود المتعلقة بالزواج، والقوانين التي تؤثر على عمل المرأة بعد الإنجاب، والاختلافات بين الجنسين في الملكية والميراث، والقوانين التي تؤثر على حجم تقاعد المرأة، فإنه على الأردن النظر في إصلاحات لتحسين المساواة القانونية للمرأة”.
ولتحسين مؤشر مكان العمل، قد يرغب الأردن في النظر في السماح للمرأة بالحصول على وظيفة دون إذن من زوجها، وحظر التمييز في العمل على أساس النوع الاجتماعي، وسن تشريعات تحمي المرأة من التحرش الجنسي في العمل، واعتماد عقوبات جنائية أو مدنية ضدها هذه السلوكيات.
المرأة في الأحزاب السياسية
لا يمكن أن تمر هذه المناسبة دون الحديث عن أهم لبنة في تحرر المرأة، المشاركة السياسية الحزبية للمرأة هي الوسيلة الأهم لتحقيق وعيها وتكوينه، ووصولها الى مواقع اتخاذ القرارات في الدولة – أو هكذا يجب- ولكن في ظل دول تحارب الحياة الحزبية وتدعي الديمقراطية المقنعة، نجد أن تراجع المرأة سياسيًا هو من السمات الأبرز أيضًا لوصف واقعها.
التراجع في تطور المرأة سياسيًا وحزبيًا، يحمل جناحين منكسرين، الأول في الحياة السياسية العامة وتطورها، والثاني في تحقيق المرأة تقدمًا وتطورًا داخل الحزب نفسه.
العنف ضد المرأة
ارتفاع نسب العنف ضد المرأة أردنيًا وعربيًا كان السمة الأبرز ما بعد كورونا، ورصدت العديد من التقارير أشكاله بالأرقام مُسلطة الضوء على هذه المشكلة الكبيرة التي أثرت على المرأة.
وتكمن الإشكالية ليس في خطورة ارتفاع الأرقام، واستمرار ارتفاعها، بل في أن التطويع والتبرير لضرب المرأة متوفر ومقبول من المجتمع، إضافة الى عدم طلب المساعدة عند التعرض للعنف يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الأردن. حيث تُشير التقارير الإحصائية الى موافقة 46% من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج على العنف. و69% من جميع الرجال الذين أعمارهم (15 – 49 سنة) على أن ضرب الزوجة له ما يبرره.
%19 فقط من النساء اللاتي سبق لهن الزواج وأعمارهن (15 – 49 سنة) وقد تعرضن للعنف بحثن عن المساعدة، كما كان من الملاحظ أن 67% من السيدات لم يبحثن عن مساعدة ولم يقمن بإعلام أحد عن تعرضهن للعنف.
العنف الرقمي
للعنف أشكال وأنواع جديدة تتناسب مع تطور الحياة، ولأن المرأة المُستغّل الأول بين البشر، تتجلى انعكاسات تقدم الحياة عليها بشكل مباشر نذكر منه ما أصبح يعرف بالعنف الرقمي ضد النساء حيث أصبحت الحياة في العالم الافتراضي توازي الحياة في الواقع بل وتحمل ذات السمات وتعكس كل التفاصيل، فأصبح عالم الانترنت لا يخلو من أشكال ابتزاز المرأة والعنف ضدها خاصة مع اختراق الخصوصية من جهة، والانفلات من الرقابة الذاتية والمجتمعية من جهة أخرى.
يمثل العنف الافتراضي/الرقمي نوع جديد وشكل جديد من أشكال العنف ضد المرأة له آثاره الكبيرة جدا على المرأة والأسرة فالمجتمع. وبالتالي يجب بناء استراتيجيات جديدة لمكافحة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله، ومشاركة تجارب النساء الناجحة في التصدي الى العنف.
هل مصطلح Strong Independent Woman مثير للضحك؟!
المرأة القوية المستقلة للتعبير عن النساء الناجحات المستقلات اللواتي تحملن مسؤوليات كبيرة بالغالب أُلقيت على عاتقهم بسبب تهرب الرجل والمجتمع، إلا أنه هناك انقسام واضح في تداول هذا المجتمع حيث أن البعض يتداوله واصفا “المرأة بالمسترجلة” ورغم ذلك يطالبنها بتحمل المزيد وأن تكون أقوى دائمًا.
وللأسف وكظاهرة أيضا على العالم الافتراضي نجد نساء متهكمات يستخدمن هذا المصطلح على سبيل التندر.
خلاصة القول،
في كل عام لا نجد تقدمًا حقيقيًا في واقع المرأة، بل على العكس لا تبرح مكانها من الاستغلال والعنف والتقليل من استقلالها ودورها في بناء المجتمع.
ويبقى التناقض الرئيسي والطردي متمثل بازدياد استغلال المرأة من قوى رأس المال مع ازدياد أيضا بتصدير مفاهيم النسوية والفيمنست ومؤسسات المجتمع المدني ذات الدور الهجين التي تضر بقضايا المرأة وتبعدها عن العدالة المرجوة.
ومن هنا، نؤكد دائما على أن معيار تقدم المرأة هو تقدمها في بناء المجتمع وتطوره، وتطورها اقتصاديًا لتحقق مكانة اجتماعية أفضل. إضافة الى أن ما تعانيه المرأة لا يجب أن نراقبه بمعزل عن المجتمع، فالمجتمعات الحرة القادرة على اكفاء ذاتها، هي القادرة على تحقيق مكانه عادلة للمرأة، العدالة الاجتماعية الكاملة للمرأة والرجل.