مثلما اكدت الأحداث في كل أقاليم الكون ان الأصابع المرتبكة لا تستطيع صنع التاريخ و احداث منعطفات كبرى في مساراته نظرا لفقدان الجسد الحامل لهذه الأنامل فكرا مستنيرا و رؤية معرفية لكل شؤون الحياة ٫ بامكاننا التأكيد ان الأيادي المرتعشة لا و لن تستطيع ان تذهب بعيدا و تخترق الحواجز و الإشتباك مع المفاهيم و التصورات المختلفة بل المتناقضة مع قيم الحرية و التحرر و الإنعتاق و مواجهة قوى الإستبداد و الاستغلال و الظلامية سواء كانت انظمة سياسية أو حركات او تيارات.
الأيادي المرتعشة ليست لها علاقة بميكانزمات و تحريك المياه الراكدة لانها تفتقد الجراة و الفكر الإستراتيجي و الرؤية المعرفية العميقة و الشاملة
كل المحاولات التي عرفتها الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، وإن إتسمت بجسارة أصحابها وشجاعتهم النادرة، إصطدمت بالشروط الموضوعية التي صارت بمثابة الصخرة الصماء التي تكسرت عليها طموحات اجيال متعاقبة من المكافحين الأحرار الحالمين باوطان تسود فيها قيم المواطنة و الحرية و العدالة الاجتماعية و علوية القانون.
الشروط الموضوعية التي نقصدها هي التحالفات والتكتلات السياسية والاجتماعية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع أي مشروع وطني تحرري مناهض للسياسات النيوليبرالية التي ليس في اجنداتها رفاهية و تقدم الشعوب هنا أو هناك من اقاليم الكون…
لن ناتي بالجديد اذا قلنا ان هذه المشاريع الوطنية التحررية ذات الأفق الديمقراطي الإجتماعي و التنوير الفكري و الثقافي، عادة ما تافل و تسير الى الإنحدار.
إضافة الى الأسباب الموضوعية الناتجة عن طبيعة الصراع الشرس بين قوى متناقضة في الأسس الفكرية والايديولوجية٫ فان لهذا الإنحدار الوارد حدوثه في أي لحظة نظرا لطبيعة التوازنات و موازين القوى و المصالح المتشابكة بين الأطراف السياسية و الاجتماعية المتصارعة.. هذا ما قصدناه بالشروط الموضوعية ٫ لكن الاشكال الجوهري و المركزي في عملية تفسير و تفكيك العناصر المكونة لهذا الانحدار يتمثل اساسا في المسالة الذهنية و الأبعاد الاستراتيجية للصفوة و القادة المباشرين لعملية تأسيس المشروع الوطني الديمقراطي الإجتماعي المنحاز فكرا و منهجا و عقيدة و دربا كفاحيا لا يلين ولا يهدا مع مشاغل و شواغل و القضايا المصيرية و الطموحات المشروعة للشعوب الطامحة للتحرر و الإنعتاق و كنس سياسات الاستبداد والاستغلال و رميها في مزابل التاريخ بكل شجاعة، و كتابة سطور مضاءة بمصابيح الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية..
هنا وصلنا الى مربط الفرس مثلما يقول العرب القدامى؛ كيف ستتصرف القيادة المركزية و صفوتها الأولى المؤتمنة على تسيير المركب و القافلة بعيدا عن الأجندات الإقليمية و الدولية المتناقضة جوهرا و موضوعا مع طموحات الشعوب و قضاياها المصيرية….هذا هو السؤال الحارق لكل ألأوراق…..!
إن المنعطفات التاريخية الكبرى ٫ لا تقوم بها الأيادي المرتعشة من خصوم شرسين ٫ بل تصنعها السواعد التي تحركها رؤى استراتيجية في السياسة والاقتصاد و الفكر و الثقافة و الاجتماع.. ولنا امثلة نيرة قامت بادارة الصراع مع القوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي و فرض السيادة الوطنية على أرض الواقع، بحكمة و حنكة و دهاء نادر
الزعماء الراحلين جمال عبد الناصر و الهواري بومدين و في السنوات الأخيرة شافيز و خليفته السياسي اليساري الثوري المحنك المتسم بالشجاعة و الدهاء و الديبلوماسية وقت اللزوم وفق متطلبات المرحلة و ما تفرضه من تكتيك واستراتيجيا في الآن نفسه.
هذا ما ننتظره من قيادات عربية لمشاريع التحرر الوطني.. لا سبيل للخروج من أي مازق سياسي واقتصادي و اجتماعي سوى الأسلحة برؤية ثاقبة و بعيدة المدى و ان لا تكون الأيادي مرتعشة..