الراحل سماح إدريس يردّ على هيئة الإعلام: غادوت، في نظر الكيان الصهيونيّ، تكثيفٌ “للمميِّزات” الإسرائيليّة الرمزيّة وسط محيطٍ عربيّ يرتع بالتخلّف والإرهاب
بدأت القصة قبل نحو أسبوعين، في الكويت تحديدًا، وليس جديدًا ولا مُستَغربًا أن تكون كذلك؛ فهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تقف فيها الكويت وقفًة وطنيةً عروبيّةً كهذه؛ تصدّر الخبر وسائل الإعلام: “وزارة الإعلام الكويتية تمنع عرض فيلم “موت على ضفاف النيل” على أراضيها، وحملة مقاطعة “إسرائيل” في الكويت تدعو إلى منعه أيضًا بسبب مشاركة الممثلة الإسرائيلية غال غادوت في التمثيل“.
وفي معرض الخبر عن الكويت، قالت صحيفة القبس الكويتية إن “الجمهور في الكويت والعديد من الدول العربية لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبه من اختيار غال غادوت، لا سيما أنها دعت للإمعان في قتل أطفال غزة خلال عدوان 2014“، وكانت وزارة الإعلام في الكويت منعت فيلم “Wonder Woman” للمثلة نفسها.
في لبنان أيضًا، دعت حملة مقاطعة “إسرائيل” إلى سحب الفيلم من دور السينما، في الوقت الذي أثار فيه الإعلان الترويجي للفيلم جدلًا واسعًا في مصر، نظرًا لأن أحداثه تدور في القاهرة، عن رواية أغاثا كريستي التي تحمل نفس الاسم.
في الأردن، قبل نحو أسبوع، بدأت حركات المقاطعة والرافضون للتطبيع مع المستعمر الصهيوني الدعوة لمقاطعة الفيلم نفسه، وكان تجمع “اتحرك” لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع قد أصدر بيانًا دعا فيه دور السينما الأردنية لعدم عرض الفيلم، وطالب هيئة المرئي والمسموع بعدم إجازته. لاحقًا، دعا تجمع “اتحرك” وحركة الأردن تقاطع للمشاركة في العاصفة الإلكترونية للمطالبة بوقف عرض الفيلم، ليتصدّر بعد ذلك وسم “امنعوا الفيلم الصهيوني” منصات التواصل الاجتماعي.
بعد كل هذه التحركات المُطالبة بمنع عرض الفيلم، والرافضة للتطبيع مع العدو الصهيوني، تردّ هيئة الإعلام الأردنية، وعلى لسان مديرها طارق أبو الراغب، قائلةً إن “جنسية الممثلة الإسرائيلية ليست مبررًا على منع عرض الفيلم“، ويوضح أبو الراغب أن “الهيئة جهة تنظيمية تقوم بإعطاء الموافقات للمحتويات بحيث أن لا تمس الدين والقضايا العربية بما فيها القضية الفلسطينية، أو عرض مشاهد إباحية”، ويضيف أبو الراغب أنه لا يمكن ربط أي عمل بجنسية الممثلين فيه أو الديانة التي ينتمي لها أو حتى السياسة التي يتبناها، كونه لا يشكل فارقًا بالمحتوى الذي يجاز عرضه، ونوه أن الممثلة (غال غاداوت التي تحمل الجنسية الإسرائيلية)، عرض لها 4 أفلام، ولم يثار الموضوع حولها كما هو الحاصل حاليًا، مبينًا أن الفيلم ليس سياسيًا إنما يحكي قصة بوليسية.
في الحقيقة، ليس الأمر فقط في كون تصريح هيئة الإعلام متناقضًا؛ إذ يتحدث عن القضايا العربية بما فيها القضية الفلسطينية، ثم يفصل بين الفن وبين تلك القضايا، وكأنّ المستعمر الصهيوني يُعادينا بالقطعة، بل أيضًا كون هذا التصريح يُزيّف الواقع؛ إذ يقول إنه عُرض 4 أفلام لنفس الممثلة ولم يثار الموضوع حولها كما هو الحاصل حاليًا، وهذا بالطبع مُنافٍ للصحة، فإن كان السيد أبو الراغب ينسى، فإن حركات المقاطعة الأردنية التي أثارت الموضوع للأفلام السابقة ونجحت بإيقاف عرضها لا تنسى، ولديها أرشيفها الذي يُثبت ذلك.
مع الأسف، فإن تصريح هيئة الإعلام تصريح مضلل، وخطير، ويلعب دورًا في كي وعي الشعب الأردني الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني، عبر دسّ السمّ في العسل إذ يفصل الفن عن القضايا الوطنية العربية، فماذا يعني أن تقول إن جنسية الممثلة الإسرائيلية ليست مبررًا لمنع عرض الفيلم، وتتناسى أنها مُجنّدة سابقة في جيش الاحتلال؟ ما المبررات التي تريدها الهيئة غير ذلك؟
لماذا تعدّ جنسية الممثلة “الإسرائيلية” مبررًا لمنع عرض فيلم “موت على ضفاف النيل” في الأردن وغيرها؟
في بادئ الأمر، يجدر القول والتأكيد إن الصراع العربي – الصهيوني صراعٌ مًركّب؛ أي له مناحٍ عديدة: عسكرية وثقافية وفنية، والهدف من ذلك هو مواجهة ماكنة كي الوعي الصهيونية، وعزل العدو الصهيوني في الساحات كافة التي يحاول هو بالأساس إثبات نفسه فيها وتجميل صورته الاستعمارية الدموية، والحديث عن أن جنسية الممثلة الإسرائيلية ليست مبررًا لمنع عرض الفيلم، وكأن ذلك أمرًا هامشيًا، يساوي بين المستعمِر والمستعمَر؛ بين الضحية والجلاد؛ ويسعى إلى إزالة الحواجز النفسية بينهما، وذلك لا يمكن تصنيفه إلا إسهامًا في دفع فاتورة تجميل المستعمر الصهيوني.
في 2014، وفي أثناء العدوان الصهيوني على غزة المحاصرة، نشرت تلك الممثلة صورة لها مع ابنتها مع التعليق التالي: “أرسل حبّي وصلواتي إلى مواطنيَّ “الإسرائيليين”، خصوصًا الى كلّ الشبان والشابات الذين يجازفون بأرواحهم من أجل حماية بلدي ضد الأعمال المروّعة التي ترتكبها حـ..مـ..اس، الذين يختبئون كالجبناء خلف النساء والأطفال. سننتصر!!! “شابات شالوم. نحن على حق، خلّصوا غزة من حـ.. مـ.. اس الإرهاب”.
هذا فضلًا عن ظهور عدة منشورات لها وصور على مواقع التواصل الاجتماعي تَدعم فيها ممارسات الاحتلال الصهيوني، منها الصورة التي نشرتها تنعى فيها المجرم شمعون بيريز مُعلِّقة عليها: “صاحب رؤية. رجل سلام. صديق للجميع. وداعًا عزيزي شمعون، ذكراك ورؤيتك تستمران”.
وعن التطبيع الثقافي، وعن دور غال غادوت ما وراء الفني تحديدًا، يردّ المناضل الراحل سماح إدريس، رئيس تحرير مجلة الآداب الأسبق، والعضو المؤسس في حملة مقاطعة داعمي “اسرائيل” في لبنان، على تصريح هيئة الإعلام، ويشرح في ورقة له قدّمها في ندوة نظّمها تجمع اتحرك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع بعنوان: “التطبيع الثقافي: مظاهره وسبل مواجهته”، في تشرين ثاني/نوفمبر 2018، قائلًا: “معركتنا مع العدوّ الإسرائيليّ معركةٌ على كلّ الجبهات، وفي طليعتها: جبهاتُ الثقافة، والفنّ، والإعلام، والرياضة. المثقفون والفنانون والإعلاميون والرياضيون الإسرائيليون جزء من الترسانة الإسرائيليّة. وليس مصادفةً أن “تُرافق” وزيرةُ الثقافة والرياضة الإسرائيليّة العنصريّة، ميري ريغيف، وفدَ الجودو الإسرائيليّ إلى الإمارات العربيّة المتحدة؛ وليس مصادفةً، قبل ذلك، أن تستشيطَ الصحافةُ الإسرائيليّةُ غيظًا حين أفلحتْ حملةُ المقاطعة في لبنان وغيرِه في منع فيلم “المرأة الخارقة” من بطولة الممثِّلة الإسرائيليّة وملكة جمال “إسرائيل” غال غادوت.”
وتابع “إذا ركّزنا على غادوت وحدها، فينبغي أن نقول إنّها ليست مجرّدَ ممثّلة بالمعنى التقنيّ فحسب، وإنّما بالمعنى “التمثيليّ” الرمزي الأعمق أيضًا: فهي رمزٌ “للجمال” الإسرائيليّ، و”للقوّة الخارقة” الإسرائيليّة، و”للتحرّرِ النسويّ” الإسرائيليّ أيضًا. غادوت، في نظر الكيان الصهيونيّ، تكثيفٌ “للمميِّزات” الإسرائيليّة الرمزيّة وسط محيطٍ عربيّ يرتع بالتخلّف والإرهاب! فكسرُ رأسِها في بيروت وغير بيروت كسرٌ لهذه الرمزيّة والمميّزات نفسها”. لكل ما سبق، وللكثير الذي لم يُذكر هنا، نقول هذا ما يدفعنا لربط أي عمل بـ”جنسية الممثلين فيه أو حتى السياسة التي يتبناها”، وإذا لم يكن ذلك بنظر الهيئة لا يمس القضايا العربية وفي صُلبها القضية الفلسطينية، فما الذي يمسّها إذن؟