وعي الشُعوب

رضا ستيتية
3 دقيقة وقت القراءة
censura

“ليسَ وعي النّاس هو الذي يحدّد وجودهم، إنّما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدّد وعيهم”. مساهمة في نقد الاقتصادي السياسي/كارل ماركس.

“ليست الوقائع بحد ذاتها هي التّي تؤثّر على المخيّلة الشّعبية وإنّما الطّريقة التي تعرض بها هذهِ الوقائع… وإنّ معرفة فن التّأثير على مخيّلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها”. سيكولوجية الجماهير/ غوستاف لوبون.

إذا أحضرت قطعة من اللّحم البقري الفاسد مثلًا، مائلًا لونها إلى الأخضر والأسود، وأعطيتها إلى طبّاخ ماهر نصف محترف، وطلبت منه طبخها بطريقة لا يتسنّى للمستهلك معرفة ذلك، فسيكون سهلّا عليه ذلك إذا ما استطاع وضع كميات معينة من البهارات ووضعها على النار لوقتٍ معيّن، ومع قليلٍ من التّزيين، ستحصل على منظر يجعل أيًّا كان من يراها يشتهي أكلها فورًا، ولا يمكن بأيّ حال ضبط مثل هذه التصرفات عند الطهاة إلّا في حال تسمّم أحد الزبائن أو من خلال دوريات مفاجئة، والطريقة الأمثل لضبط هذه التّصرفات تتمثل في المسؤولية الأخلاقية والضّمير الحي للطاهي، على عكس ما حصل مثلًا مع “جوزيف ميثني” وهو قاتل متسلسل في الولايات المتحدة الأمريكية من منتصف السّبعينات إلى منتصف التّسعينات بين الولايات -حسب بعض المصادر-، ويقوم بقتل بعض المشردين والبغايا وتقديم لحمهم كوجبات لحم حيواني في مطعمه أو كوجبات برغر.

وبنفس السّياق، وعلى سبيل المثال، خلق الجيل السابق لنا بعض الأساطير لضبط موعد النّوم للسيطرة على المشاغبين الأطفال هنا وهناك، وكانت تتجلّى الأسطورة بأمور غير موجودة مثل أبو شاكوش وأبو كيس والخ…
وتفيد الأسطورة بأنً كل من لا يلتزم بالأوامر أو لا يذهب للنًوم بالموعد المحدّد، سينال منه أحد الأساطير.

كبرت الأسطورة وكبر الخوف من المجهول، وتغذّى في منطقتنا العربية لمدة خمسة عشرَ عامًا من بعض القنوات والسياسيّين، حتى وصلت الأمور أنّ البعض يرى أمامه أعداءه يقتلون اخوته أمامه ولكنّه يعرب عن خوفه من عدو غير موجود ظنًّا منه أنه ذكي بطريقة لا توصف، ولم يدرك بعد أنّ وعيه توقف عند أبو كيس وأبو شاكوش وأصبح دماغه كمعدة من أكل اللحم الفاسد المذكور في أول النص.

بالخلاصة، لقد تاه وعي الشعوب بأغلبه، وخسرنا بسبب القنوات الفضائية وشيوخ السلاطين وعي الكثير من الجيل الحالي والكثير من وعي الجيل القادم غالبًا لأنّ السّم ينتشر وينتشر. فمثلًا ترى شخصًا ما يشتم جهة مقاومة معيّنة ويتّهمها بأنها صديقة للكيان -من تحت الطاولة- وأيضًا يفرح ويغني لإنجازاتها في تطبيق عملي للمثل الشعبي المنتشر في بلاد الشام (من يتزوج أمي أناديه عمّي)، وهو بالغالب أيضًا لا يعرف الفرق بين الشًيعي والشّيوعي ولكن يصرخ ليلًا نهارًا أنّهم كفّار ويريدون تدمير بلاده.

بالنّهاية، لا نهضة بالوعي العام إلّا بالسّلطة والإعلام كما حلّل ماركس بالبداية بين البناء الفوقي والبناء التحتي.

شارك المقال

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading