انشغل الناس بتفاصيل “طوشة” المجلس متعددة الأطراف، ويبدو بأن الأغلبية قد تجاهلت القضية التي كانت مثار النقاش على جدول أعمال المجلس، وهي قضية المرأة الأردنية، مكانتها.. حقوقها.. وواجباتها.
** سبق “الطوشة”، نقاش ساخن تحت القبة خاطب الغرائز أكثر من مخاطبته للعقول، واعتمد على أسلوب التهويل والتخويف والتضليل، في مجلس نيابي يعكس حالة من الإحباط والتصحر السياسي والقيمي.
** هل تواطأ المجلس مع بعض القوى “المحافظة” في تبديد قضية المرأة؟؟
** هل كان لافتعال تفجر العنف المنفلت الذى طغى على النواب، تعبيرا عن ممارسة شكل الإرهاب الفكري، وصورة متجسدة من العنف ضد المرأة؟؟
** عندما يخص النقاش المرأة، يغيب النقاش الموضوعي، وتطفوا على السطح كل أنواع العصبويات!!
هذا الموضوع النبيل والملتبس والهش!!
رغم إنكار الكثيرين، ما زلنا نعيش في حالة يزداد فيها العنف ضد المرأة وفقا لتقارير حديثة متوافقة. والمجتمع ما يزال ينكر وقوع هذا الظلم، ويحمل المرأة من سن مبكرة أمراضه الاجتماعية، المستترة والظاهرة..
حيث تتعرض المرأة للإساءة في ظل غياب أي مساعدة فعالة تقدم لها في أجواء من عدم العدالة، وتنامي العنف المنزلي والمجتمعي.
المفارقة الأليمة بأن حالة المرأة بدأت تُترك تدريجيا لجماعات المنظمات غير الحكومية.. لنساء ورجال نخب مجتمعية ممولَة، متوشحة بالبرتقالي، في ورشات وخلوات موسمية مدفوعة الثمن، تعقد في صالات فخمة، دون أن تسمع بها جموع المرأة الأردنية الحقيقية، في الأحياء الفقيرة والأرياف والمخيمات؟؟
في حين أن بعض القوى تصر على الإبقاء على الرؤية الرجعية للمرأة، وتنكر حقوقها ودورها خارج إطار الصورة النمطية الموروثة البائسة.. هؤلاء، وبعض مجاميع المنظمات غير الحكومية، يتهربون من ربط قضية المرأة بقضية المجتمع ككل، وما تعانيه في بلادنا من استبداد وظلم اجتماعي واقتصادي مزدوج، وقمع سياسي مزمن.
الصوت العالي في المجلس اعتمد على التهويل من أخطار التعديلات التشريعية المقترحة، وإشاعة فهم مغلوط لحقيقة هذه التعديلات، عبر التلويح بخطورة “مؤامرة” اتفاقية سيداو، والادعاء بأن التعديلات التشريعية، قد جاءت للتمهيد “لفرض زواج المثليين على المجتمع مستقبلا، وإملاءات خارجية لتفكيك العائلات، وتخريب التشريع الإسلامي للميراث لصالح المرأة”.. ويبدو بأنه ليس هناك أسهل من استثارة جشع الذكورة في تهديدهم بمكتسبات سطوهم على الميراث، وتجاهل كل حقوق للمرأة!!
الجميع يقلل من شأن المرأة الأردنية مما يجعلها ضحية مزدوجة بشكل كبير، ويحول قضيتها إلى مشكلة (نظامية) مجتمعية.
المرأة لا تتهم “الرجال”، بل تطالبهم ببساطة بقليل من اللطف، والحماية، وتفهم بقية المجتمع.. وقبل كل شيء، تطالب بقوانين تحمي ضحايا العنف (الرجال والنساء بشكل عام).. وإقرار قوانين وأنظمة عادلة تنصفها في المساواة في العمل والتحصيل العلمي وقضايا الجنسية، وضمان مستقبل أبنائها، وحقوقها الخاصة إثناء الحمل والولادة.
الموضوع يتطلب رفع الوعي بقضايا المرأة بدلا من شيوع عمليات الشهير، وغلواء تعميم نظريات المؤامرة، ونشر مفاهيم ومقاربات دينية مغلوطة عن تمكين المرأة، مع مناهضة بدائية للمسألة النسوية تكاد تكون ثابتة.
نحن هنا لا نتكلم عن حالات منفردة وبعض التعليقات المعزولة، بل عن حالة شبه عامة. ونتساءل كيف يمكن للأغلبية أن تصل إلى هذا المستوى من الرجعية والرداءة الفكرية، ومحاولة إدامة المفاهيم الرثة، ليفرض على النساء الخضوع، والصمت، والرضوخ عبر ممارسة كل أشكال الإبتزاز والعنف اللفظي والجسدي.
حان الوقت لكي نضع قيم الشجاعة والعدالة في مكانها الضروري، والبدء بالدفاع عن والداتنا وزوجانا وبناتنا وزميلاتنا في العمل، من أجل العدالة والمساواة، وضد الظلم وسوء معاملة بعض البشر والمجتمعات للنساء.