في الذكرى الـ 14 لرحيل الحكيم

عماد المالحي
4 دقيقة وقت القراءة
الحكيم جورج حبش

إن وصف “الحكيم” أمر من الأمور الصعبة، فلقد كان بسيطًا ومستقيمًا ككل شيء يقوله.

كان “الحكيم” ذلك الشخص الاستثنائي، فهو الذي ولد في ظل عائلة ميسورة الحال، وهو الذي غادر موقعه الطبقي، بقناعة الثوريين ليكون في صفوف الكادحين، مدافعًا عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية من رجس الاحتلال.

كما أنه قدم نموذجًا متقدمًا من خلال وعي متقدم أيضا، فهو من القلة من قيادات الشعب الفلسطيني والعربي الذي كان يعي جيدًا، بأنه لا يمكن فصل النضال من أجل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي والأممي، لذلك بنى تنظيمًا ثوريًا تجاوز فيه الجغرافيا، وبنى علاقات مع القوى التحررية في العالم قاطبةً، لإيمانه المبكر بوحدة الهدف والمصير وان العدو واحد، رغم اختلاف الجغرافيا.

وحدد مبكرًا معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء، وطبيعة العلاقة مع الأنظمة الوطنية، لأنه كان يمتلك وضوح رؤيا، مازالت للحظة صالحة ليومنا هذا. والمتمثلة بأنه لا يمكن هزيمة المشروع الصهيوني دون النضال الدؤوب لهزيمة الامبريالية والنضال ضد الرجعيات.

لقد آمن “الحكيم” وبإيمان الثائرين المؤمنين بعدالة قضيتهم، بأنه ولد ليكون مدافعا صلبا عن العمال والكادحين وعن عموم الفقراء والمهمشين والمضطهدين، أينما تواجدوا، وذلك من خلال الربط بين النضال السياسي والنضال الطبقي. لذلك لم يكن “الحكيم” زعيمًا، فلسطينيا فقط، وإنما كان أيضا زعيما قوميًا وأمميًا وبكل ما للكلمة من معنى.

لقد مات جسده لكن صوته ما يزال حاضرًا وفاعلًا ومؤثرًا، وربما بقوة أكبر، لأنه حدد الهدف دون مواربة ودون مجاملات ولم تته بوصلته يومًا.

لقد استشرف الحكيم مستقبل الصراع، وذلك من خلال معرفته بطبيعة أنظمة الحكم في المنطقة. وحدد بلا لبس أو مواربة، ومن خلال عمق قراءاته الوضع ما ستمر به القضية الفلسطينية، بعد أوسلو ووادي عربه، وقبل ذلك انسحاب “مصر” من الصراع بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد.

وحاليًا ها نحن نرى انعكاسات هذه المعاهدات والاتفاقيات، وما تعيشه المنطقة من فقدان للتوازن بسب انهيار النظام الرسمي العربي وانحياز اغلبيته أو خضوع هذه الأنظمة العربية للكيان الصهيوني وتسويق روايته للصراع العربي الصهيوني.

لقد انتصر الحكيم دائمًا، لشغيلة العالم كله. وليس ثمة من مكان على وجه البسيطة لم يدع هذا الصوت فيها العمال، إلى التغيير، إلى حياة جديدة، إلى خلق عالم يكون فيه الناس متساوين.

كان “الحكيم” قائدًا من طراز فريد، فهو الذي كان “يتحدث بكثير من البساطة عن مسائل سياسة في منتهى التعقيد”.

ولم يكن يومًا يسعى وراء صياغة الجمل الرنانة “كبعض مدعي النضال” بل كان يعرض كل كلمة بوضوح ويعطيها معناها المحدد. ومن الصعب جدًا وصف الأثر الذي كان يحدثه، في نفوس مستمعيه، لأنه كان صادقًا مع ذاته ومع الجماهير.

لقد أصاب رحيل” الحكيم” قلوب الذين عرفوه بضربة مؤلمة جدًا، ولكن شارة الموت السوداء لن تكون أكثر من زيادة إبراز دوره، في اعين أحرار العالم بأسره، كقائد ومفكر وثائر ومساند للشعوب الثائرة والشعوب الكادحة في بلادنا والعالم.

وما من قوة على وجه البسطة، قادرة على طمس ذكرى الراحل “جورج حبش” الذي أكد في حياته أن على أصحاب النّفس القصير الانسحاب. والذي حدد مبكرًا، أن الصراع مع العدو الصهيوني صراعا مفتوحًا وتناحريًا.

ما من قوة على وجه الأرض، قادرة على محو ذاكرة الحكيم، ومعه كل الثوريين، من مخيلتنا ومخيلة الشعوب المتعطشة للحرية وللانعتاق من التبعية والارتهان، فكيف يمكن لنا أن ننسى لينين والقسام وغيفارا وهوشي منه وكاسترو وعبد الناصر وبو مدين ومانديلا ولمومبا وقبلهم الحسين، مهما ازدادت حول أسمائهم كثافة سُحُب الحقد، وسُحُب الكذب والافتراء.

يستحق قائدًا بمستوى الحكيم أن تبقى ذكراه خالدة. فلقد رحل عنا جسدًا، لكن ورثة فكره وإرادته والتنظيم الذي بناه ما زالوا احياء.

شارك المقال
متابعة
  • عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
  • منسق الحملة الوطنية للدفاع عن العمال "صوت العمال"