من يعتقد بأن الحرب التي تشن على حزب الله اللبناني مرتبطة بموقفه العقدي والإيماني والوطني والمبدئي بالوقوف الى جانب المقاومة الفلسطينية ،وفتج جبهة الإسناد الشمالية لها منذ اليوم الثاني لمعركة السابع من اكتوبر/2023،فهو واهم ويعيش خارج الواقع والزمن،فإسرائيل وأمريكا ومعها قوى الغرب الإستعماري،منذ تحرير الجنوب اللبناني في ايار /2000،وما تلى ذلك من تحقيق نصر على الجيش الإسرائيلي في تموز/2006، وهذا الحلف بات ينظر إلى حزب الله على انه القوة الرئيسية التي تشكل خطر وجودي على اسرائيل القاعدة المتقدمة لأمريكا في المنطقة،الحامية والمدافعة عن مصالحها في المنطقة،ولذلك بدأ وضع الخطط ورسم الإستراتيجيات لكيفية التخلص من حزب الله اللبناني، سواء عبر الضغوط والعقوبات الإقتصادية والمالية على لبنان والفراغ الأمني والسياسي وصولاً الى دفعه الى متاهات الفتن والحروب الطائفية والأهلية …وكذلك “شيطنة” الحزب ومحاصرته على الصعيد العربي والإقليمي،من خلال حلفاء امريكا من عربان التطبيع العربي الرسمي …اسرائيل تدرك بأن الحاق هزيمة عسكرية بحزب الله بقدراتها الذاتية غير ممكن،ولذلك كانت تعمل بشكل دائم ومتواصل،لكي تكون امريكا ودول الغرب والعديد من دول النظام الرسمي العربي حاضرة في معركة او حرب مع محور المقاومة،وجعلت العنوان ل” الشيطنة” والتحريض” التي تهدد الأمن والإستقرار وعروش الأنظمة العربية في المنطقة …وشاهدنا كيف ان اسرائيل التي تبجح قادتها نتنياهو وغالانت وغانتس وبن غفير وسموتريتش ، بأن اسرائيل ليست النجمة الواحدة والخمسين في العلم الأمريكي ،وبأن اسرائيل قادرة لوحدها على مهاجمة ايران والحاق الهزيمة بها،ولتأتي ليلة 14 – 15 نيسان الماضي،ليلة الرد الإيراني بالصواريخ البالستية والمسيرات على اسرائيل” وعمقها وقواعدها العسكرية ومطاراتها ،رداً على استهداف قنصليتها في دمشق ،حيث دخلت اسرائيل في حالة هيستريا ،وطلبت من امريكا ودول الغرب توفير الحماية لها،حيث عملت امريكا على إقامة حلف امريكي- غربي – عربي رسمي،يشكل درع حماية لها من صواريخ ومسيرات ايران.
وبالإنتقال الى خطط وبرامج واستراتيجيات القضاء على حزب الله وتدمير قدراته العسكرية والتسليحية واخضاعه،وتحويله الى قوة هامشية،ليس فقط لبنانياً، بل على المستوى الإقليمي،وجدنا بأن إخراج مخطط اسقاط حزب الله بالضربة القاضية،قد نقل الى العلن في ال 17 و 18 من الشهر الحالي،حيث قامت امريكا التي تمتلك الإمكانيات التقنية والعسكرية والتجسسية والتكنولوجية العالية،بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي ، بتفخيخ أجهزة النداء والإسشارة، التي يستخدمها العاملين في المؤسسات المدنية في الحزب مشافي ،مدارس ،مجمعات تجارية وشركات وغيرها،بالإضافة الى أفراد من الحزب، عملية التفخيخ والتي نتج عنها عشرات الشهداء وما يقارب من 3000 جريح، على مدار يومين،كانت تستهدف توجيه ضربة قاضية لحزب الله واسقاطه،ولم يستفق الحزب من هذا الخرق الأمني الواسع،حتى أقدمت أمريكا عبر طائرات “أف 15 ” وطائرات” أف35″ ،تحت اسم اسرائيل،بتوجيه ضربة للحزب بإغتيال مجموعة من قادة الرضوان وفي مقدمتهم القائدين ابراهيم عقيل قائد وحدة الرضون ومؤسسها ورفيقه احمد وهبي،ولذلك كان الهدف ضرب البيئة الحاضنة للحزب وبنيته العسكرية والقيادية،من اجل خلق حالة من الفوضى والإرباك وعدم القدرة على التحكم والسيطرة على المستوى القيادي،وكذلك وقف عملية الإتصال والتنسيق بين أذرع الحزب….وقد سبق ذلك ضربة اخرى في اواخر تموز الماضي بإغتيال القائد فؤاد شكور في الضاحية الجنوبية من بيروت.
نتنياهو وجنرالاته والذين يركزون على الإبهار الأمني وتحقيق الإنجازات التكتيكية،المعتمدة على الإغتيالات والمجازر واستهدف المدنيين والبنى والمؤسسات المدنية، أعلنوا نقل المعركة من قطاع غزة بثقلها الى جبهة الشمال،من أجل اعادة مهجري مستوطنات الشمال وفك العلاقة بين جبهة الإسناد اللبنانية مع جبهة قطاع غزة،وقال بأنه ذاهب لتغيير وجه الشرق الأوسط وتغير الوضع الأمني والعسكري على الجبهة الشمالية،وابعاد حزب الله لمسافة 22 كم شمال الليطاني.
نصرالله ونائبه نعيم قاسم قالا بشكل واضح ،رغم كل الضربات التي تلقها الحزب وبيئته الحاضنة وبنيته العسكرية، لا فك للعلاقة مع جبهة قطاع غزة ولا عودة للمستوطنين الى مستوطناتهم سوى بإتفاق سياسي وبعد وقف العدوان على قطاع غزة،وهذه الضربات لم تسقط ولن تسقط حزب الله،ولن تثنيه عن القيام بدوره الجهادي ،ونائبه القاسم قال نحن دخلنا مرحلة الحرب المفتوحة والتدرج الإستراتيجي ،ورد حزب الله على اغتيال القائد فؤاد شكر بعملية الأربعين التي استهدفت منشأة استراتيجية للإستخبارات العسكرية ،الوحدة (8200) وحدة التجسس الأكبر والإغتيالات والتصفيات،هذه الضربة وجهت لطمة قوية لنتنياهو ولحكومته ،وقالت له بشكل واضح الحزب مصمم و على السير في نهجه وخياره حتى يتحقق الهدف من العملية الإسنادية،ونتنياهو الذي خرج الى العملية العسكرية الواسعة في الشمال ،التصعيد الناري،وشن أكثر من 1400 غارة جوية عشوائية بحق المدنيين وممتلكاتهم وكل البنى المدنية في الجنوب والبقاع وبعلبك والشمال اللبناني،تلك الغارات التي خلفت اكثر من 2500 شهيد وجريح، ليس فقط محصورة اهدافها في اعادة مهجري مستوطنات الشمال وفك العلاقة بين جبهتي لبنان وقطاع غزة،واستعادة اسراه في قطاع غزة،بل هناك اهداف استراتيجية كبرى لأمريكا واسرائيل، تتجاوز ذلك بكثير،اهداف تتعلق بالمصالح الإستراتيجية لأمريكا في المنطقة،وجودها العسكري والأمني والإستخباري في العراق،قواعدها العسكرية الإحتلالية في الشرق السوري ،التي تنهب النفط والغاز السوري والثروات السورية،ومنع تشكل النظام العالمي الجديد وتقدم روسيا والصين لملىء الفراغ في المنطقة .
ولذلك الخطة الأمريكية – الإسرائيلية التي تحدث عنها بايدن الوصول الى تعادل التهجير المتبادل،بما يسمح بعودة مهجري مستوطنات الشمال،والذين هم معضلة اقتصادية واجتماعية لإسرائيل،مقابل عودة مهجري الجنوب،والذين يقفون خلف المقاومة ولا يصرخون ويتذمرون ..ولذلك هذه العملية” رياح الشمال”،تريد تحويل قضية تهجير سكان قرى وبلدات الجنوب اللبناني،،ليس فقط من بيئة المقاومة،بل ومن السكان العاديين،حتى تصبح قضية المهجرين قضية وطنية،فوق طاقة الحزب لجهة الإستيعاب والإيواء وتغطية التكاليف،لكي تمارس الدولة اللبنانية الضغوط على حزب الله لوقف جبهة الإسناد وفك العلاقة مع جبهة قطاع غزة…والحزب الذي قال غالانت متبجحاً بأنه قضى على نصف قدراته الصاروخية وهاجم مئات الأهداف للحزب،وبأن نصر الله بقي وحيداً، أطلق دفعات جديدة من صواريخ احدث من الصواريخ التي اطلقها على القواعد العسكرية ومجمعات الصناعات العسكرية ” رامات ديفيد” ومصانع “رفائيل العسكرية الأكترونية” ومدايات اوسع ولكن بإستهداف للقواعد والمنشأت العسكرية والجوية ،حيث طالت صواريخ المستوطنات في الضفة الغربية وقاعدة عسكرية في مجدو ووصلت الى الناصرة والعفولة وعكا،موجهة رسائل واضحة لنتنياهو،بأن نشوة الإنتصارات التكتيكية والإبهار الأمني،لن تعيد مهجري مستوطنات الشمال،بل تزيد من اعداد المهجرين،وستفاقم من ازمة نتنياهو الإقتصادية ،وستشل جبهته الداخلية ومطاراته وموانئه بشكل كبير …نتنياهو الذي يلتف حوله الجنرالات وبعد ان تتوسع الحرب ويغرق في مستنقع حرب استنزافية طويلة لا يريدها، وبعد تعمق ازماته الإقتصادية وزيادة اعداد المهجرين،وعدم القدرة على تحقيق ما وعد به المستوطنين، ستعود الخلافات بين المؤسستين العسكرية والأمنية مع المؤسسة السياسية الى التفجر من جديد،وهذا سيترافق مع ضغط داخلي وضغوط دولية …هي حرب حتى اللحظة يمكن توصيفها بأنها بالحرب المفتوحة سقوفها زمنياً ومفتوحة على كل الإحتمالات، ولكنا ليست الحرب الكبرى التي تسقط فيها كل السقوف والضوابط والخطوط الحمراء .
الردود التي يقوم بها حزب الله بإستهداف المنشأت الإستراتيجية عسكرية وامنية واستخبارية في العمق ” الإسرائيلي” ،وخاصة حيفا ومحيطها،تفتح الطريق نحو المزيد من التهجير،وإقامة توازن أشد قوة في التهجير نفسه، لكنه تهجير يحمل عنواناً سياسياً يدفع قيادة الكيان نحو أحد ثلاثة أبواب، قصف العمق اللبناني وتلقي الرد المماثل بما يتضمن من مفاجآت، أو تفعيل الجبهة البريّة واكتشاف ما ينتظر جيش الاحتلال عندها، أو العودة الى المربع الأول المتمثل باتفاق حول غزة يُنهي الحرب حتى يتوقف إطلاق النار على جبهة لبنان ويعود المهجّرون.
فلسطين – القدس المحتلة
24/9/2024
Quds.45@gmail.com