على هامش الحرب في أوكرانيا

د.لبيب قمحاوي
3 دقيقة وقت القراءة

على الرغم من صغر ومحدودية الحرب في أوكرانيا وبغض النظر عن نتائجها، إلا أن العالم لن يعود كما كان من قبلها. والحديث هنا تحديداَ عن النظام الدولي القديم منه والجديد القادم، بالإضافة الى وسائل وكيفية إدارة الصراع العسكري الإقليمي بمنظور دولي اقتصادي غير عسكري.

ما يلي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار: –

أولًا: النظام الدولي القديم والذي انبثق عقب الحرب العالمية الثانية وأدى الى نظام القطبين، قد تحول عقب انهيار الاتحاد السوفياتي الى نظام القطب الواحد (أمريكا) والآن يشهد بداية التحول مع الحرب في أوكرانيا الى نظام متعدد الأقطاب يشمل بالإضافة الى أمريكا كلًا من روسيا والصين وربما الهند، في مرحلة لاحقة.

ثانيًا: موقف أمريكا والغرب من الحرب في أوكرانيا ليس دفاعًا عن مبادئ الحرية والديمقراطية بقدر ما هو دفاعًا عن مصالح أمريكا والغرب في الحفاظ على النظام الدولي القائم والذي مازال يعطيهم مكاسبًا أكثر مما يستحقون في هذا العالم المتغير بسرعة ملحوظة.

ثالثًا: إن سلوك أمريكا السيء والشاذ والمُهين لروسيا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي قد خلق مرارة مازال طعمها في الفم الروسي حتى الآن، وتشكل الأساس الحقيقي للموقف الروسي تجاه أمريكا وعدم الثقة في نواياها تجاه أمن واستقرار الاتحاد الروسي، مما دفع روسيا الى التشدد في موقفها تجاه ضم أوكرانيا الى حلف الناتو وتهديد الأمن الروسي في العمق، علمًا أن الحرب في أوكرانيا تهدف في أصولها الى منع إغلاق كماشة حلف الناتو على الاتحاد الروسي.

رابعًا: الحرب في أوكرانيا أكدت أن التكنولوجيا الرقمية المتطورة هي المستقبل بالنسبة للعالم عسكريًا واقتصاديًا.

إن لجوء الغرب الى سلاح الحصار الاقتصادي والمالي يؤكد أن هذا السلاح هو البديل الحديث للسلاح النووي وهو السلاح (أي السلاح الاقتصادي والمالي) الأكثر أهمية وفعالية، كون استعماله ممكنًا في حين أن استعمال السلاح النووي غير ممكن عمليًا.

هذا بالإضافة الى أن أمريكا والغرب تملك اليد الطولي والسطوة في استعمال السلاح الاقتصادي والمالي بحكم سيطرتهم على أهم ثلاث عملات متداولة دوليًا وهي الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والين الياباني. وهذا الأمر سوف يستدعي من روسيا والصين ودول أخرى العمل بجدية وبسرعة على انشاء منطقة اقتصادية جديدة موازية للمنطقة الاقتصادية الغربية بهدف كسر احتكارها الفعلي للتجارة والتبادل الدولي، وإضعاف أو تحييد سلاح المقاطعة الاقتصادية والمالية. إن هذا الأمر لن يتم بسهولة أو بين ليلة وضحاها، كونه سوف يستغرق جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلين. ولكن تبقى أهمية مثل هذا الاجراء أنه سوف يؤدي إلى كسر احتكار السلاح الاقتصادي والمالي وتوفير خيار آخر ومسارب عملية أخرى للآخرين مما سوف يضعف من سطوة هذا الاحتكار وهو الآن بيد أمريكا والغرب حصرًا.

خامسًا: النظام الدولي الجديد، مثله مثل القديم، سوف يشهد للأسف عالمًا عربيًا مهمشًا يعاني من استمرار الانحدار والتبعية، كون العرب لا يملكون حتى الآن مقومات النهوض المطلوبة.

شارك المقال
  • مفكر ومحلل سياسي
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة اللوازم والخدمات الكيميائية CESSCO، عمان - الأردن.
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة دلتا لخدمات الطاقة، عمان - الأردن.
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة السليم للخدمات الصناعية، بغداد - العراق.
  • رئيس مجلس الإدارة لشركة اللوازم والخدمات الهندسية، دمشق - سوريا.