تواصل “صوت الشعب” سلسلة حواراتها مع قادة القوى الثورية والتقدمية في المنطقة العربية لمتابعة مستجدات الأوضاع التي تشهد اليوم نسقا متصاعدا من الأحداث التي تؤكد عمق التحولات الحاصلة والتي تهدف من خلالها الإمبريالية وكيان الاحتلال مسنودا بأنظمة التبعية العضوية إلى مزيد إخضاع شعوبنا ومزيد وضع اليد على مقدراتنا ونسف كل مسعى تحرري وأيّ انتصار مهما كان حجمه خاصة في الساحة الفلسطينية التي ينصبّ عليها كل التآمر والإجرام والتواطؤ.
ضيفنا هذه المرة هو الرفيق سعيد ذياب، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني للإدلاء بمواقفه من مجمل الأسئلة الحارقة المطروحة اليوم على الشعوب وعلى القوى التقدمية.
تتواصل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في ظل تواطؤ عربي رسمي غير مسبوق وفي ظل تراجع للساحات الشعبية العربية كعامل إسناد تقليدي للقضية الفلسطينية. كيف تقرؤون هذا الوضع العربي وكيف قدرت الساحة الشعبية الأردنية على كسر هذا الجمود؟
على مدار خمسة عشر شهرا والعدو الصهيوني مستمر في حملة الإبادة للشعب الفلسطيني بالقتل والحصار والتجويع في ظل عجز فاضح للأمم المتحدة بسبب الولايات المتحدة الأمريكية التي عطلت تلك المؤسسة الدولية بل ووفرت للكيان الصهيوني كل أنواع الحماية الدبلوماسية، إلا أن الأغرب هو حالة التواطؤ الرسمي العربي بل المشاركة الرسمية العربية شبه العلنية في حملة الإبادة عبر الدعم الاقتصادي للعدو وعبر رفض أي إجراء يمكن التوافق عليه مثل وقف التطبيع وتجميد الاتفاق مع الكيان، كان هذا الموقف سابقة فريدة بالوقوف مع العدو ضد الشقيق، هذا الموقف دلل على مدى التهافت الرسمي وتبعية هذه الأنظمة للامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، وعكس بصورة فجة الصورة الاستبدادية لتلك الأنظمة، و هذا السلوك الاستبدادي تجلى بالقمع الذي مورس بحق الجماهير العربية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، واتخاذ مواقف أقل ما يقال عنها أنها تضرب بالعمق، الأمن القومي العربي.
لكن للأسف من الواجب الاعتراف بأن القوى السياسية والحزبية كانت عاجزة عن رفع وتيرة ضغطها إلى الدرجة التي تمكنها من الضغط على الأنظمة لدفعها لتغيير موقفها والالتزام بدعم الشعب الفلسطيني.
في الأردن نوعا ما، لقد نجحنا في استنهاض الحالة الشعبية من خلال تشكيل إطار يقود الحراك تحت مسمى (الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن ومجابهة التطبيع)، هذا الإطار نجح في الحفاظ على ديمومة التحرك الشعبي وتنوع أشكال التحرك، إلا أن الإنجاز السياسي بفرض التغيير على النهج الرسمي الأردني كان محدودا إذ تم تأجيل اتفاقية المياه والكهرباء مع الكيان وإبقاء سفارة الكيان في عمان شبه فارغة.
إنني أعتقد أن النهوض الشعبي العربي يمكن أن يتحقق من خلال الارتقاء بالموقف من القضية الفلسطينية من موقف التضامن إلى اعتبارها قضية مركزية داخلية والإيمان العميق بصعوبة تحقيق تحولات وطنية وديمقراطية بدون الانخراط الجدي والعملي ضد العدو الصهيوني، وفي هذا المجال بات شعار جبهة مقاومة عربية أكثر إلحاحا من أي مرحلة سابقة.
للأسف أوطاننا باتت مليئة بالقواعد العسكرية الأجنبية والكيان يثبت كل يوم أنه مشروع استعماري استيطاني إحلالي وعنصري يهدد الأمة العربية بقدر ما يهدد فلسطين.
تتصاعد الاعتداءات الصهيونية على الضفة الغربية وعادت للبروز الخرائط الصهيونية التي تقضم جزءا من أرض الأردن لحساب كيان الاحتلال. ماهي مآلات هذه السياسة الصهيونية؟
من الصعب قراءة الاعتداءات الصهيونية على الضفة الغربية وحملات الاعتقال والاغتيال وسياسة التهويد ومصادرة الأراضي بمعزل عن المخططات الصهيونية الرامية إلى توفير مقدمات لتهجير الفلسطينيين وضم الضفة، ولعل تصريحات سموتريش وزير المالية الإسرائيلي عن أنّ عام 2025 عام ضمّ الضفة في ظل إدارة ترامب صاحب مشروع صفقة القرن، أكبر دليل وتوضيح لأهداف هذه الحكومة الفاشية.
لقد عبّرت هذه الحكومة عن أهدافها التوسعية والاستيطانية من خلال رفضها المطلق لقيام دولة فلسطينية، بل وذهبت أبعد من ذلك فالخرائط التي نشرت مؤخرا على موقع الخارجية الإسرائيلية والتي تكشف أطماعها في لبنان والأردن وسوريا وبالطبع فلسطين لا تترك مجالا للشك بأن المسالة ليست مجرد كلام لهذا الوزير أو ذاك، بل تقع هذه الرؤية في عمق الاستراتيجية الصهيونية.
ولعلّ ما يجري في غزة من قتل وتدمير يندرج في خانة الحلول النازية المتمثلة بالقتل أو استعباد الفلسطيني وحرمانه من حقوقه وتهجيره من أرضه، ومؤكد أن العدو أدرك مخاطر تنامي المقاومة واتساع ظاهرة الكتائب المقاومة وانعكاس كل ذلك على قدرته على تنفيذ مخططاته، فلقد امتلك الفلسطيني من الخبرة وكذلك الوعي لأهداف العدو للدرجة التي تمكنه ابتداع كل أشكال النضال بما لا يسمح للعدو الاستقرار أو السير في مشاريعه.
فالفلسطيني وعبر قرن من الزمان في النضال بات أكثر قناعة من أي وقت مضى أن لا خيار أمامه سوى المقاومة وكما قال الحكيم جورج حبش (ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة).
تعيش المنطقة على وقع تحولات عميقة وخاصة بسقوط نظام الأسد وغزو سوريا. كيف ستكون تداعيات ذلك على مجمل المنطقة والإقليم؟
أعتقد أن سوريا تعيش لحظات تحول تاريخي واستراتيجي كبير وخطير، خاصة وأننا نشهد تنافسا إقليميا وبشكل قوي على صياغة حاضر ومستقبل سوريا.
بعد ساعة واحدة من سريان وقف إطلاق النار في لبنان، بدأ الزلزال السوري وصولا إلى ذروته بسقوط النظام وسيطرة المجموعات المسلحة على الدولة السورية.
أعتقد أن فهم ما جرى يجب النظر إليه من زاوية الدور الذي لعبته سوريا في المرحلة السابقة كجزء من محور المقاومة. كذلك طبيعة النظام الذي سينبثق. وقراءة ما جرى في سياق الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى نتنياهو لبنائه
بدون شك نحن لا ننكر الأسباب الذاتية التي عجلت عملية السقوط للنظام، الأمر الذي وضعنا كمحور مقاومة وقوى تحرر وطني أمام تحدي حقيقي بما أصابنا من خلل في ميزان القوى في صراعنا مع العدو الأمريكي والصهيوني.
فالقوى التحررية العربية مطلوب منها تقييم تجربتها ومدى ما قامت به، ودرجة تطابق ذلك مع دورها، فالكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية تحاول استغلال هذه اللحظة لتصفية القضية الفلسطينية وفرض هيمنتها على عموم المنطقة.
أعتقد أننا أمام لحظة فاصلة تستوجب اليقظة والمثابرة في الاستعداد وتحفيز الحالة الشعبية استعدادا لما هو قادم، خاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة والحكومة الصهيونية الأكثر يمينية وفاشية.
إن ما يهدد سوريا هو الأشد خطورة خاصة إذا ما أدركنا أن ما جرى لم يكن إلا نتاج الثالوث الأمريكي التركي الإسرائيلي، الأمر الذي يضع سوريا فريسة الأطماع الإسرائيلية وهو ما تحقق من احتلال إسرائيل لمنطقة جبل الشيخ والقنيطرة واحتلالها للجانب السوري من سدّ الوحدة، والتبعية السورية التركية من خلال تبعية الجماعات المسلحة لها.
ولعلّ سيناريو التقسيم هو الأقسى والذي سيقود الي تغيير وجه سوريا العروبي.
ما هو المطلوب من القوى الثورية والشعبية لمواجهة مستجدات الأوضاع في منطقتنا، وماهي رسالتكم الى هذه القوى؟
أرى أن قدرتنا على مواجهة هذه المرحلة والنهوض بمهماتها ترتبط بتشخيصها والاعتراف أننا تلقينا ضربات موجعة في كافة ساحات المواجهة في لبنان وفلسطين وسوريا،
هذا الاعتراف يضعنا وجها لوجه أمام المسؤولية المصيرية التي ترتبط بتصفية المرحلة السابقة والتي بدون تصفيتها كما قال لينين لا نستطيع الانطلاق للأمام وبقوة وفعالية.
لقد دللت التجربة أن القوى المعادية نجحت في كي الوعي الشعبي ونجحت في حرف بوصلتها من مواجهة عدوها الحقيقي إلى عدو وهمي وهذا كان المقدمة للضربات المؤلمة لمحور المقاومة.
لذا فان تحديد معسكر الأعداء المتمثل بإسرائيل والامبريالية والصهيونية والقوى المرتبطة بهم هو المهمة الأولى والأساسية لنا.
التأكيد على أن العمال والفلاحين والمثقفين هي القوى المؤهلة للتصدي لمهمات التحرير والنهوض.
وأرى أن السعي لبلورة إطار عربي جامع للقوى التحررية ضروري لنجاحنا في مهماتنا القومية والطبقية.
لقد تمادت القوى المعادية وما كان لهذا التمادي أن يتحقق إلا لأننا لم نرتق في دورنا وفعلنا إلى مستوى التحدي.
معا من أجل التحرير والبناء الوطني والقومي.