ليلة أمس الباردة، في مخيم الوحدات، مشينا ٣ أجيال من السيدات بعد أخذ “الخاطر” بالرفيقة طيبة الذكر أم علي. كانت الرفيقة حنان تتأبط ذراع الرفيقة أم عزمي والحديث كله عن حقبة الأحكام العرفية قبيل الانفراج الديمقراطي بداية التسعينات.
مر صبية من جانبنا يغنون بابتهاج “كنافة سحلب بوظة آيسكريم”، تجلجل ضحكتهم شارع البالة وتمتد معنا حتى بوابة النادي المغلق والمعتم، وصلنا لسيارتي القريبة من مركز الأمن، واتجهنا ثلاثتنا لشرق العاصمة قاطعين جبل التاج، حيث تتلألأ عمان الغربية عن يسارنا في مشهد لا يمكن تجاهله.
هذا محمص كذا، قالت “الحنّونة”، وهذا الخياط فلان، وتلك مدرسة الوكالة، وهنا كانت تأتي حافلات سياحية لتشاهد جبل القلعة من منزل لا أعلى من سطحه إلا حاووز المياه القائم، وفي النزول بقي مسجد الشهيد في محله ولم يغادر.
تقول الرفيقة أم عزمي: زمن أول أحلى، الناس كانت مليحة خيتا.. ثم سألت الرفيقة حنان عن زيارتها لابنها الموقوف منذ عدة أيام، على خلفية المشاركة في احتجاج بالقرب من سفارة العدو الصهيوني. اختزلت الرفيقة جوابها بـ “ج ١٤ حنان”، تصف مشاعر الدهشة وكأن الزمن لم يتغير، ولوهلة اعتقدت أنها تزور الرفيق نبيل (زوجها النقابي المخضرم ومهندس نقل الطاقة الذي لم يجد فرصته داخل الأردن إذ كانت جهة ما لا توصي بتوظيفه) في سجن المحطة عام ١٩٨٨ بعيد الانتفاضة، تبتسم بطفولية وتقول: بدل شبك الحديد على شباك الزيارة، صار زجاج وتيلفون، ورد كويس، ومدرك أنه حزبي محمي بالدستور الناظم للأمن ولحرية التعبير عن الرأي.
ما لم تقله الرفيقة المتماسكة زوجة المعتقل السابق وأم الموقوف الحالي، أن الاحتقان الداخلي كبير وهناك تجييش غير مفهوم، ما الضير أن نقف لنقول لا لحرب الإبادة؟ ولا للتهجير؟ أليست الدولة كأرض وشعب وسلطة متفقة على ذلك، من أين جاءت الفكرة أن ما يجري ضد الأردن؟؟ إذا كانت صبية قد أخطأت بكلمة فلماذا يحاسبها الجميع أليس الأمر مرتبط حصرًا بأجهزة الدولة؟ كما أن لها حقوق وخصوصية وحماية لها من التشهير فنحن لسنا في غابة، وماذا عن الحسابات التي تتطاول وتتوعد بسحب الجنسيات؟ وكيف تحولت قضية فلسطين لقضية غريبة مرتبطة بحسن الأدب وعدم التطاول؟
من حرف السردية الداخلية التي كانت متناغمة منذ بداية الحرب على غزة؟ ومن له يد في بث فتنة هذا ابن فلان وذلك غريب؟ أتعتقدون أن كل مسيرات الأردن مؤثرة؟ هي مجرد تعبير رمزي عن رفض ما يجري وعدد المشاركين فيها محدود (من المخجل أن نقول ذلك ولكنه حقيقة، الأعداد قليلة نسبيًا).. وأين هي الخلايا النائمة؟! وكيف تقرأ هذه الحسابات الوضع السياسي بدمج حماس مع إيران؟ ألا يتابعون الوضع في الإقليم؟!
إن كان هناك خلايا نائمة في الأردن فهي خلايا التكفيريين الصامتين ومنهم من يناصر ذبح الساحل السوري مثلًا، بالمثل هناك خلايا المطبعين الذين لا يرون في التمدد الإسرائيلي في الجنوبي السوري خطرًا مباشرًا على الأردن بل يعتبرون قبول الأمر الواقع تعقّلًا.
إيقاف الحراك المحدود في الشارع الأردني ليس هو ما يحمي الأردن، بل الخطاب الوطني الجامع ونزع فتيل الانقسام الاجتماعي والملاسنات والمزاودات وكأننا أعداء لا قدّر الله.
الحكمة مطلوبة، وتحدث وزير الداخلية عن المواطنة وروح المواطنة وكان كلامه عسلًا صافيًا أتمنى أن يبنى عليه وأن تنتهي “أزمة الموقوفين” قريبًا؛ فأردننا بحاجة لكل نفس مقاوم أمام إعادة رسم المنطقة، والأردن في قلب المنطقة. حمى الله الأردن الوطن لا الوطن البديل، والحرية للرفاق المعتقلين.