الحرب على اليمن التي شنها التحالف السعودي الصهيوأميركي المسنود من كل الرجعيات العربية دخلت عامها الثامن، دون أن يتمكن من تحقيق أي هدف من الأهداف التي حددها في بداية الحرب عام 2015، وباتت تصريحات المسؤولين السعوديين بإن الحرب على اليمن ستحسم في غضون أسابيع أو بضعة أشهر، موضع تندر القيادة السياسية في صنعاء والعديد من المراقبين.
فالجيش واللجان الشعبية اليمينية بقيادة حركة أنصار الله- رغم الخلل في ميزان القوى – انتقلت من وضعية الدفاع إلى وضعية الردع ومن ثم إلى حالة الهجمات الاستراتيجية المنسقة على أهداف اقتصادية ونفطية وعسكرية شلت في كثير من الأحيان المواقع النفطية في الظهران وابقيق وجدة وفي محيط منطقة الرياض، عبر استخدامها الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية دون أن تتمكن صواريخ الباتريوت من اعتراضها.
من الصمود إلى الانتصارات التكتيكية رغم الخلل في موازين القوى
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد ، بل بتنا نشهد ما بين الفترة والأخرى توغلات في العمق السعودي في مناطق نجران وعسير وجيزان دون مقاومة تذكر ، من قوات التحالف السعودي وقوات هادي ، وفلول المرتزقة خاصةً من السودان الذي بعث بهم البشير سابقا والبرهاني لاحقاً إلى المحرقة مقابل أعطيات من البترودولار ، حيث شاهد العالم بالصوت والصورة قتل وجرح المئات من هذه القوات ووقوع العشرات بالأسر وتدمير عشرات العربات المدرعة و الآليات ، وشاهد العالم واستمع للشعار الناظم لمقاتلي الجيش اليمني واللجان الشعبية وهم يهتفون في لحظة الانتصار ” الموت لإسرائيل ، الموت لأمريكا”.
التطور الجديد في حرب اليمن
التطور الجديد في حرب اليمن هو دخول الإمارات على خط التصعيد رغم إعلانها عام 2019 الانسحاب من اليمن واكتفائها بدعم المجلس الانتقالي في الجنوب، والإبقاء على نفوذها في جزيرة سوقطرة.
فحكومة صنعاء لم تصعد في المرحلة السابقة ضد الإمارات، ارتباطاً بأولويات معاركها من جهة، ومن جهة أخرى منح الإمارات فرصة مراجعة مواقفها وهي ترى جارتها السعودية تتعرض لأقصى الضربات لمطاراتها العسكرية ومواقعها النفطية، لكن دخول الإمارات مجدداً على خط التصعيد في محافظة شبوة، عبر دعمها اللوجستي والجوي لكتائب العمالقة، بهدف وقف اندفاعة الجيش اليمني لتحرير مدينة مأرب الاستراتيجية، طرح أسئلة عديدة بشأن عودة الإمارات العسكرية لليمن.
رئيس حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي، أكد في كلمة له في الثالث من شباط ( فبراير) الجاري أنّ هناك أوامراً أميركية بريطانية “إسرائيلية” صدرت للإمارات بالتصعيد في اليمن، مشددًا على أنّ الإمارات أداة رئيسية بيد الأمريكيين وقد فشلت وتضررت من عدوانها، مضيفًا: “من يعتقد أنه بتحالفه مع الأميركيين ينتصر هو في ضلال ومآله الحتمي هو الخسران” .
لقد جاء التدخل الإماراتي بهدف إفشال عملية تحرير ” مأرب” إدراكا من أطراف تحالف العدوان، بأن تحرير مأرب تشكل بداية النهاية لهزيمة هذا التحالف، ودفن أحلام السعودية بأن تعود اليمن حديقةً خلفية لها، وأن تكون خاضعة للتحالف الصهيوأميركي.
جاء رد الجيش واللجان الشعبية على التصعيد الإماراتي، بقصف مطاري دبي وأبوظبي ومواقع نفطية وغيرها من المواقع الهامة، لدفع أبوظبي لمراجعة موقفها والبحث عن حل في مواجهة التهديد اليمني لمواقعها الاستراتيجية.
لقد جاء الهجوم اليمني على ثلاث دفعات خلال ثلاثة أسابيع بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وقصف الجيش اليمني في الدفعة الثانية قاعدة الظفرة الأمريكية دون أن تتمكن الإمارات والقوات الأمريكية من صد جميع الصواريخ، في حين أن الدفعة الثالثة جاءت أثناء وجود رئيس الكيان الصهيوني في دبي وذلك في رسالة مفادها – حسب مصادر إعلامية إسرائيلية -أن الصواريخ اليمنية في طريقها للكيان الصهيوني في قادم الأيام.
فالإمارات رغم التدخل الأمريكي لنجدتها عبر إعلان البنتاغون بإرسال مدمرة محملة بالصواريخ لمياه الإمارات، وإعلان حكومة العدو استعدادها لمد الإمارات بشبكة متقدمة للإنذار المبكر، باتت تدرك أنها دخلت في ورطة وأن الدعم العسكري واللوجستي الأمريكي لن يوفر الحماية لها، وأن التصعيد مع صنعاء سيشل الاقتصاد الإماراتي ويضرب في الصميم الاستثمارات فيها، وباتت توسط كل من سلطنة عمان وطهران للتدخل لوقف الهجمات اليمنية، مبدية استعدادها لدفع قوات العمالقة للتراجع عن المناطق التي احتلتها في شبوة.
لماذا العدوان على اليمن؟
وقبل أن نسترسل في استعراض وتحليل تطورات الأزمة اليمنية، نطرح ويطرح العديد من المحللين، سؤال لماذا العدوان على اليمن؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، نشير إلى أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما سبق وأن أدلى بتصريحات “تعترف بالحضور الإقليمي لإيران ولدورها بعد اتفاق (5) زائدا (1) النووي مع ايران عام 2015 ، وأن على السعودية أن تتشارك في المنطقة مع خصمها إيران” ، ما أثار استياء السعودية وحلفائها ، فكان أن أطلق يد السعودية في اليمن كجائزة ترضية لها ، خاصةً أنها كانت ترى في اليمن حديقتها الخلفية، متصوراً هو الآخر بأن السعودية وبدعم أمريكي وغربي قادرة على حسم الحرب مع صنعاء في غضون فترة محدودة ، لكن حسابات الحقل لابن سلمان والرئيس أوباما لم تطابق حسابات البيدر .
عودة للسؤال أعلاه: لماذا العدوان على اليمن من أطراف التحالف المعادي؟؟
في التقدير الموضوعي أن العدوان على اليمن وفق العديد من المعطيات جاء في ضوء ما يلي:
1-أن استقلال اليمن وسيادته بعيداً عن النفوذ السعودي يفقد مملكة آل سعود حديقتهم الخلفية بما تتمتع به من ميزات جيوسياسية واقتصادية نظراً لما تكتنزه من ثروات نفطية ومعدنية في مأرب وشبوة وحضرموت.
2-أن صنعاء لم تداري موقفها السياسي واصطفافها بعبارات سياسية عامة تبعدها عن الفرز الإقليمي، بل أعلنت منذ بداية العدوان وبصريح العبارة على لسان قائدها عبد الملك الحوثي وعلى حكومتها وأعضاء المكتب السياسي لحركة أنصار الله، بأنها جزء لا يتجزأ من محور المقاومة.
3- خشية كل الرياض والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، من أن استقرار الأمور في اليمن لمصلحة قيادته الثورية، أن تشكل خطراً على الملاحة البحرية لقوى العدوان بحكم مشاطئته الواسعة جداً للبحر الأحمر والمحيط الهندي، إذ أن خضوع مضيق باب المندب والجزر المحيطة به مجدداً للسيادة اليمنية، يمنح محور المقاومة ميزة استراتيجية تضاف إلى ميزة مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي ببحر العرب ” المحيط الهندي” الخاضع عملياً لسيادة إيران – الضلع المركزي في محور المقاومة.
اليمن ضلع مركزي في محور المقاومة
فاليمن في ضوء ما تقدم، ووفق موقف قيادته السياسية وممارساته ضلع أساسي في محور المقاومة الذي تلعب فيه إيران دوراً قيادياً، ويدير معركته بالتنسيق مع أطراف المحور لكنه لم يخضع لتعليمات طهران، وفق ما تردده وسائل الإعلام الغربية والصهيونية، وهذا ما عبر عنه بوضوح رئيس حكومة الإنقاذ الوطني د. عبد العزيز صالح بن حبتور، في لقائه مع وكالة ” سبوتنيك” الروسية، وغيرها من وسائل الإعلام، والذي أكد فيه أن صنعاء لا تتلقى تعليمات من طهران ولا من أي طرف.
وليس أدل على ذلك أن السعودية في الجولات التفاوضية الأربع السابقة مع إيران في بغداد، طلبت من إيران التدخل لدى حركة أنصار الله لوقف تحركها العسكري باتجاه مأرب، وكان الرد الإيراني واضحاً، بأن الحل يكمن في تنفيذ مطالب وشروط حكومة صنعاء، وهذه الشروط سبق وأن حددها كبير مفاوضي حكومة صنعاء محمد عبد السلام، بعد رفضه للمبادرتين الأمريكية والسعودية وهي: وقف العدوان، ورفع الحصار، ومغادرة القوات الأجنبية البلاد، ومعالجة آثار العدوان، ودفع التعويضات.
تجدر الإشارة إلى أن حكومة الإنقاذ الوطني هي حكومة يمنية وطنية بامتياز، ويشارك في قوام هذه الحكومة قوى سياسية عديدة مقاومة للعدوان، حيث يشارك إلى جانب أنصار الله وحلفائه، المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، وأحزاب اللقاء المشترك “البعث، الحق، الاشتراكي، الناصريين المستقلين، والحراك الجنوبي السلمي”، هذه القوى جميعها تشارك معا في مقاومة العدوان السعودي – الإماراتي.
ما يجب الإشارة إليه هنا، أن صنعاء تضطلع بدور هام في دعم المقاومة الفلسطينية على الصعيد المعنوي والسياسي في هذه المرحلة، ولعل خروج المسيرات المليونية في صنعاء وبقية المدن اليمنية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لمؤشر على ذلك ، ويحتفظ الشعب الفلسطيني في ضميره تصريح عبد الملك الحوثي ” أن اليمن رغم ما يمر فيه من مصاعب مستعد لاقتسام لقمة العيش مع الشعب الفلسطيني”.
وسبق أن أعلنت القيادة اليمنية، أن ميناء إيلات ليس بعيداً عن مرمى الصواريخ اليمنية في حين رأت وسائل إعلامية إسرائيلية، بأن الصواريخ والمسيرات التي ضربت الإمارات هي ” بروفة” لقصف “إيلات” خاصةً وأن المسافة التي قطعتها الصواريخ من اليمن إلى الإمارات، هي تفس المسافة التي يمكن أن تقطعها باتجاه الكيان الصهيوني المقدرة ب (1500) كيلو متر..
الخط البياني للجيش اليمني لا يزال صاعداً
وأخيراً من يتابع خارطة المواجهات العسكرية، يكتشف بسهولة أن الخط البياني للجيش واللجان الشعبية لا يزال صاعداً، رغم بعض الانكسارات البسيطة هنا وهناك، التي لا تغير من صورة المشهد المفتوح على تحقيق صفحة النصر الاستراتيجي، رغم الخلل في ميزان القوى بين صنعاء وأطراف التحالف السعودي الصهيوني الغربي.
فالجيش اليمني تمكن من تحرير منطقة الجوف بالكامل، وقطع شوطاً كبيراً في تحرير منطقة حرض، وبات يحاصر مدينة مأرب من ثلاث جهات، بعد تحرير كافة مديريات مأرب، وبعد استكماله السيطرة على منطقة روضة جهم، بين مديريتي صرواح ومدينة مأرب، وعلى عددٍ من التلال والمواقع المحيطة بجبل البَلَق الأوسط، والمطلّة على البوابة الجنوبية لمأرب.
أما جبهة شبوة التي شهدت تراجعاً مؤقتا في مواجهة قوات العمالقة المدعومة إماراتياً التي استهدفت فك الحصار عن مأرب، والتي خسر فيها الجيش واللجان عدداً لا بأسه من الشهداء، لكن الجيش اليمني واللجان الشعبية، تمكنا في اليوم الثالث من الهجوم على شبوة من إيقاع كتائب العمالقة في كمين محكم، بعد انسحابه من الصحراء باتجاه التلال الحاكمة وأوقع في صفوف تلك الكتائب خسائر هائلة في الأفراد والمعدات، ما دفعها للتراجع مسافات واسعة بدعوى إعادة التموضع.
لقد لجأ التحالف السعودي بعد قصف الإمارات بالصواريخ الباليستية ، إلى قصف الأحياء السكنية والشوارع والبنية التحتية اليمنية والمستشفيات والمطار ومركز الاتصالات في صنعاء ، وقصف صعدة وسائر المدن اليمنية بشكل سجادي موقعاً خسائر كبيرة في صفوف المدنيين بعيداً عن أخلاق الحرب شأنه شأن العدو الصهيوني، في محاولة بائسة للتعويض عن خسائره في الميدان ، ووصلت به الأمور أن يقصف سجنا كبيراً في صعدة وأن يقتل ويجرح المئات فيه ، في الوقت الذي لا تزال قوات صنعاء حرباً نظيفة ضد أطراف التحالف السعودي ، إذ تحصر عملياتها في قصف الأهداف العسكرية والاقتصادية دون أن تتعرض للمدنيين .