ألّف الباحث عثمان صلاح من بيت لحم كتابا بعنوان “الطلقة الأخيرة”، كشف فيه عن تفاصيل قصة كتاب “الطلقة الأخيرة” حول قصة 3 شهداء أردنيين جنود وهوياتهم، ووجد أنهم كانوا ضمن لواء حطين، وهم: محمد رضا أحمد محمد بني عامر أو بني علي، وخليفة ياسين وراد العنيزان، ومحمد الشوبكي.
خلال حرب يونيو/حزيران التي احتل فيها العدو الصهيوني بقية مدينة القدس عام 1967، بينما ينتشر الجيش الأردني حول المدينة وفي أرجاء الضفة الغربية، إذ تعرّضت إحدى مجموعاته العسكرية لقصف جوي من العدو أدى إلى استشهاد عدد من جنوده.
وتذكر الروايات أن جثامين 3 شهداء أردنيين نُقلت إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، قرب بيت لحم جنوبي الضفة الغربية. وجاءت بعد ذلك مجموعة عسكرية ودفنتهم في منطقة “قبر حلوة” بمدخل بلدة دار صلاح شرقا، وبقيت أسماء الشهداء مجهولة، خاصة بعد هزيمة الجيوش العربية وانسحابها من فلسطين.
رحلة البحث
أقامت بلدية “دار صلاح” عام 2014 نصبًا تذكاريا حول قبور الشهداء المجهولين. لكن الكشف عن هويتهم أشغل الباحث والصحفي عثمان صلاح، الذي كان عضوا بالمجلس القروي حينها.
وبدأ صلاح البحث مع الجهات الفلسطينية المحلية وفي سجلات الجيش الأردني عن طريق أصدقائه في الأردن، إلى أن وصل إلى الحاج أحمد عامر السويطي، الذي كان عريفاً في الجيش الأردني في ذلك الحين، وكان مسؤولا عن دفن الشهداء الثلاثة.
وأسمع صلاح طاقم الجزيرة نت تسجيلا صوتيا أجراه مع السويطي، قال فيه الأخير إنه من بلدة بيت عوا في الخليل، ومن مواليد عام 1942، ويعيش اليوم في الأردن، وكان عنصراً في الجيش الأردني حتى عام 1977.
وعن تفاصيل تلك الحادثة يقول السويطي: إن قيادة الجيش الأردني أبلغتهم في ليلة السادس من يونيو/حزيران عام 1967 بتسلم الجثامين الثلاثة من المستشفى، وقد سلم مدير المستشفى بطاقات الهوية الخاصة باثنين منهم.
تعرّف السويطي على 2 من الشهداء؛ وهما: خليفة ياسين وراد، وكان قد أصيب برصاصة في جبينه، والعريف محمد رضا وكان مصاباً في صدره، من دون معرفة اسم عائلته. ولم يتعرف السويطي على هوية الشهيد الثالث الذي كان يحمل في رقبته رقمه العسكري فقط.
دَفْن تحت الرصاص
توجهت مجموعة السويطي إلى مقر الأمن (المقاطعة) في بيت لحم، وكان قائدها بسام الحمود الخصاونة، التي بدورها، أرسلت معهم 3 شبان يعرفون المنطقة، وأمرت بدفنهم في منطقة قبر حلوة.
يقول السويطي في التسجيل الصوتي، إن القيادة أرسلت إمام الكتيبة محمود مصطفى مشعل ليعرّف الفرقة طريقة الدفن الشرعية، وكان معهم عيسى عبد الهادي السويطي وأحمد عبد الحميد السويطي، وسائق مركبة الشحن عيسى موسى الدراويش التي حملتهم جميعا مع الجثامين.
قامت المجموعة بحفر 3 قبور متجاورة على عمق بسيط، ووضعوا مع كل شهيد بطاقة هويته بين أسنانه، وقاموا بدفنهم ببدلاتهم العسكرية. ويذكر السويطي -حسب تسجيله الصوتي- إن عملية الدفن تمت وسط تحركات عسكرية كبيرة في المنطقة، وتحت إطلاق متواصل للنيران، وغُطّي وجه كل منهم بقطعة قماش قبل إهالة التراب على جثامينهم مباشرة.
مجهولو الهوية
بقيت هوية الشهداء الثلاثة مجهولة لسكان المنطقة التي لم يشارك أحد منهم في عملية الدفن، واستطاع السويطي الدخول إلى الضفة الغربية عام 2002، وقال في تسجيله إنه أخبر أحد جيران القبور بالقصة، ولكن لم يأتِ أحد لسؤاله وبقيت هوياتهم مجهولة.
وكان الاحتلال قد بدأ بشق شارع التفافي (مخصص للمستوطنين) يربط القدس بمستوطنات مقامة فوق أراضي شرق بيت لحم، وكان سيمر فوق قبور الشهداء، إلا أن احتجاج سكان المنطقة أبعد الاحتلال عنها.
استمر صلاح بالبحث -وبالتعاون مع السويطي- فوصلا إلى سجلات الجيش العربي الأردني، وتبيّن أن الشهداء الثلاثة كانوا ضمن سرية للجيش الأردني أسقطت طائرة العدو قرب دير “مار الياس” بين القدس وبيت لحم.
وكشف صلاح -للجزيرة نت- أن 6 جنود أردنيين كانوا في منطقة “مار الياس” تعرضوا للقصف، مما أدى إلى استشهاد 3 منهم، بينما تمكّن الآخرون من إسقاط الطائرة العدو وتفرقوا في المنطقة.
سجّلات الجيش الأردني
ألّف صلاح كتابا بعنوان “الطلقة الأخيرة” كشف فيه عن تفاصيل قصتهم، ووجد أن الشهداء الثلاثة كانوا ضمن لواء حطين، وهم: محمد رضا أحمد محمد بني عامر أو بني علي، وهو من مدينة إربد الأردنية، وكان فيما عُرف بكتيبة “جعفر”، ورقمه العسكري (11385).
والشهيد الآخر، هو خليفة ياسين وراد العنيزان، ورقمه العسكري (94351)، وكان يعمل على رشاش في الكتيبة ذاتها. والثالث هو محمد الشوبكي، الذي كان في كتيبة “علي بن أبي طالب”، التابعة للواء حطين أيضا.
وجد صلاح كذلك أن أهل الشهيد محمد الشوبكي استطاعوا الدخول إلى الضفة الغربية عام 1968، وفتحوا القبر، وتعرفوا عليه من ساعة يده التي كانت ما زالت تعمل في ذلك الوقت، وأعادوا دفنه في القبر ذاته.
وأكد صلاح -للجزيرة نت- أنه تواصل مع مدير الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك د. وصفي الكيلاني، وتم تزويده بالمعلومات بشأن الشهداء الثلاثة. وسمح الصندوق بنشر كتابه “الطلقة الأخيرة” الذي سيخرج للنور قريبا، كاشفا فيه عن قصة الشهداء الأردنيين الثلاثة وأسمائهم، التي بقيت مجهولة للفلسطينيين لأكثر من 54 عاما.