في الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة وقبل عدّة أيام وضمن مقال يحدد مجموعة من التهديدات “المصيرية” لدولة الاحتلال خرجت علينا صحيفة عبرية بخبر مفاده: “عدد الفلسطينيين أكثر من اليهود بين النهر والبحر”، مع أن الفرق ليس كبيرا فعدد العرب كان سبعة مليون وخمسون ألف بمقابل سبعة مليون لليهود، ولكن هذه الأعداد والدراسات المستقبلية للتزايد السكاني تزيد الضغوط الدولية على دولة الاحتلال في حال قامت بتنفيذ خططها المستقبلية لاحتلال أوسع ودائم في المناطق الفلسطينية وذلك لوجود عدد كبير من الفلسطينيين داخل الدولة مسلوبي الحقوق.
وأما الخيار الآخر وهو حل الدولتين فقد خلصت مجموعة من الدراسات الخاصة بدولة الاحتلال بأنه من شبه المستحيل أن يتم تنفيذه وذلك مع تزايد بناء المستوطنات وتزايد أعداد سكّانها، وبذلك لا يمكن الفصل بين المجموعتين في دولتين.
وهنا يبدو لنا جليّا أهمية هذا السلاح الديموغرافي والذي استعمله الفلسطيني منذ زمن -دون إدراك مسبق- في بداية الأمر، فمنذ عام 1920 وحتى عام 1950 كان معدل المواليد بين الفلسطينيين هو الأعلى في العالم وقد قارب على 60 لكل 1000 في حين أن مصر التي تعاني انفجارا سكانيا كان معدل الولادات فيها هو 45 لكل 1000، وهذه الزيادة كانت نتيجة لردة فعل قام بها الفلسطينيين تجاه سماح الانتداب البريطاني للهجرات اليهودية لأرض فلسطين، وكان دون تخطيط أو تنظيم مسبق، بل إن خوف الفلسطينيين من خسارة أرضهم جميعها شكّل لديهم هذا اللاوعي الجمعي بحاجتهم ان يكونوا أكثر عددا.
أمّا الاحتلال فقد أدرك منذ البداية هذا الجانب واتخذ التدابير اللازمة والمخطط لها (الصريحة والضمنيّة) من أجل الزيادة السكانية، وذلك من أجل تعزيز الكثافة اليهودية، ولكن هذه الإجراءات كانت لها نتائجها السلبية أيضا في الضغط على دولة الاحتلال من نواحٍ اقتصادية واجتماعية وأيضا سياسية، وهو ما بدا واضحا في الانتخابات لدولة الاحتلال حيث زادت نسبة التصويت للأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة والسبب هو زيادة أعداد المصوتين من المستوطنات والتي أيضا تحتوي على أعداد مواليد مرتفع ونسبة خصوبة عالية، ففي انتخابات الكنيست عام 2013 حصل حزب اليمين المتطرف “البيت اليهودي” بقيادة نفتالي بينيت على 12 مقعد وعلى اكبر عدد من الأصوات، وبالتالي زيادة عدد المصوتين لصالح الأحظاب المؤدية لضم أراضي ال 67 إلى دولة الاحتلال، وهو ما سيؤدي إلى تغير في شكل سياسات الدولة إلى الأكثر عنصرية وأكثر دموية مما سيؤدي إلى زيادة المواجهات مع الفلسطينيين.
أما الفلسطيني فقد أدرك هذا الجانب من المقاومة وقد اعتبر بعدها أن تكوين الأسر الكبيرة هو شكل من أشكال المقاومة، حتى إن المجتمع الفلسطيني من هذه الناحية قد خالف جميع الدراسات المتعلقة بمسألة تحديد النسل والتي تعيد سبب الزيادة في التكاثر هو الجهل، فأثناء الانتفاضة الأولى فكانت نسبة الخصوبة وأعداد المواليد لدى المتعلمات والسياسيات في فلسطين أعلى من نسبتها لدى الأميّات والأقل وعيا سياسيا.
وما إن أدرك الفلسطيني هذا الجانب من المقاومة حتى بدأت حكومة الاحتلال بالتضييق على الفلسطينيين من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة 48، فقد تم تضييق المساعدات الاجتماعية على الأسر العربية التي تضم أكثر من ثلاثة أطفال، وتم السماح للصهاينة المقيمين في الخارج بالتصويت من أجل تقليل التأثر الانتخابي للعرب داخل دولة الاحتلال، وبالمقابل فقد تم تسهيل عمل الفلسطينيين في الداخل المحتل وتقديم كافة الطرق للتحسن المعيشي -الاقتصادي فقط- للفلسطينيين في أراضي ال67، وذلك من وجهة نظر مفادها أن المجتمع إذا تحسن وضعه الاقتصادي سيقل معدل المواليد لديه، ولكن كما ذكرنا سابقا فقد خالف المجتمع الفلسطيني هذه النظرية، ولم يمنعه لا التضييق والتحسن المعيشي من ممارسة حقه في ما يسمى “المقاومة الديموغرافية / انتقام المهد”.
(( في لقاء أجراه مع المندوب السامي البريطاني في فلسطين (3/11/1942 )، طلب الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون، السماح بالهجرة اليهودية المفتوحة إلى فلسطين. فأوضح له المسؤول البريطاني، أنه حتى لو استقبلت فلسطين مليونين أو ثلاثة ملايين من اليهود فإن النمو السكاني للعرب سيقود للحاق بهم ديموغرافيا.
وكان رد بن غوريون بأن تحسن معيشة العرب سيؤدي إلى خفض معدل مواليدهم. ومضى إلى أنه لا وجود هناك إلا لإمكانيتين: أن تصبح فلسطين دولة عربية، فيضطر عدد كبير من اليهود للرحيل، أو أن تصبح فلسطين دولة يهودية. ))..
لقد ذهب الفلسطينيّون إلى أبعد الحدود في الحرص على الإنجاب. والعدد الكبير من الفلسطينيّين في عمر الإنجاب، مقرونًا بالزواج المبكِّر وبالرغبة -لا بل الواجب- في الإنجاب، ما زال يدفع بأعداد الولادات الفلسطينيّة صعودًا. بل إنّ أسوارَ السجون الإسرائيليّة لم تُثْنِ بعضَهم عن القيام بهذا “الواجب،” إذ تمكّن بعضُ المعتقلين “من تهريب نُطفٍ ليتمّ زرعُها في أرحام زوجاتهم لينجبوا لهم أولادًا يحملون القضيّةَ من بعدهم.
لم ولن يتهاون الفلسطيني في تدوير وتشكيل واختراع كافة أشكال المقاومة ولن يثنيه كل هذا التضييق عن ممارسة حقّه في البقاء وواجبه في التحرر من هذا الاحتلال، فالدراسات تشير إلى أنه في عام 2048 أي بعد مرور مئة عام على النكبة سيكون عدد الفلسطينيين قد تجاوز ال 10 ملايين، كما في الجدول التالي:
في النهاية هذا سلاح مهم جدا يجب علينا استغلاله جيدا في سبيل هذا الصراع ضد الاحتلال، لكي لا يتحول هذا السلاح وما ينتجه من شباب إلى نتيجة عكسية من ضغط على الاقتصاد وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، بل تحويلهم إلى جيش من المقاومين القادرين على تحقيق التحرير في القريب العاجل، ويبقى دائما وأبدا علينا التذكير بأنه مهما تنوعت طرق المقاومة وأشكالها فالسلاح والمقاومة المسلّحة هي درّة ورأس هذه المقاومة وطريق التحرير الوحيد والصحيح.
“ولستُ أبريء إلّا من يحمل البندقيّة قلبا، ويطوي عليها شِغافه”