ترامب يهرول نحو الأمركة، وتفكيك الدولة العميقة.
من خلال تكليف إيلون ماسك بفكفكة البيروقراطية، وتدمير الخدمات العامة، ومن خلال إسناد الدفاع إلى مهرج تلفزيوني أرعن، والعدالة إلى سجين سابق، والصحة إلى مناهض للتطعيم.. إلى أين يجر ترامب “النظام” الأمريكي؟
وفي قراءة لبعض ردود فعل الصحافة الأوروبية، فإن دونالد ترامب -الذي يشكل حكومة تعتمد على الولاء له كشرط رئيسي- أعلن يوم الخميس بأنه يريد أن يعهد بوزارة الصحة إلى روبرت كينيدي جونيور، المعروف بتشككه في اللقاحات.
ويعتزم أيضًا تعيين اثنين من محاميه الشخصيين في مناصب رئيسية في القضاء الفيدرالي.
ومع تعييناته المثيرة للجدل في وزارتي العدل والدفاع، سيختبر الرئيس المنتخب قوة ولاء أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين سيتم استدعاؤهم لتأكيد اختياراته.
وكان ترامب قد كتب على شبكات التواصل الاجتماعي: “تحت قيادة مسؤولها الجديد، ستلعب وزارة الصحة، دورا كبيرا في ضمان حماية الجميع من المواد الكيميائية الخطرة والمبيدات الحشرية والمضافات الغذائية”!!.. ولكنه لم يذكر شيئا حول أهمية تمكين شبكة الرعاية الصحية!
وهكذا سيكون روبرت كندي جنيور ذو الشخصية المراوغة والذي أدمن الهيروين في شبابه، وزيرا للصحة، وهو إبن شقيق الرئيس المغتال جون إف كينيدي، ومحامي بيئي سابق لم يحصل على أي تدريب علمي في مجال الصحة، ولكنه أقام تحالفً غير متوقع مع ترامب منذ أن تخلى عن محاولته كمرشح رئاسي مستقل في آب الماضي. ومعروف عنه قيامه بنشر نظريات المؤامرة حول لقاحات كوفيد-19 وكذلك الروابط المزعومة بين التطعيم ومرض التوحد، ولكنه كان يختلف مع الرئيس حول الحق في الإجهاض.
فريق كامل من المخلصين والموالين..
وقد سجل دونالد ترامب، الذي سيؤدي اليمين الدستورية في 20 كانون الثاني، ويكرر ما وصفه بـ”الخطأ الجسيم” في ولايته الأولى (2017-2021)، عندما إختار أناس غير مخلصين في فريقه، وفي تدوينة صوتية جديدة يؤكد بأن خياراته ستحكمها شروط الإخلاص والموالاة، وهذه المعايير فقط ستحكم خياراته القادمة.
وقد أثبت ذلك من خلال اختياراته في إدارة المخابرات ووزارة العدل. حيث وضع تولسي غابارد، المنشقة عن الحزب الديمقراطي والمعروفة بمواقفها المتساهلة مع روسيا، على رأس المخابرات.
كما اختار مات غايتس وزيراً للعدل. ومعروف عن هذا الترامبي “الأصولي” المشتبه في علاقته بفتاة قاصر، الإطاحة بالرئيس الجمهوري لمجلس النواب في خريف عام 2022، مما أدى إلى فوضى سياسية هائلة في ذلك الوقت.. وسيساعده في إدارة الوزارة اثنان من المحامين الشخصيين للرئيس المنتخب؛ هما تود بلانش وإميل بوف، اللذين أعلن دونالد ترامب تعيينهما يوم الخميس في منصب نائب في وزارة العدل. ودافع هذان الرجلان عنه في قضية المدفوعات الخفية لممثلة إباحية سابقة، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لرئيس أمريكي سابق.
ويستقوي ترامب في كل ممارساته حاليا على تحقيقه عودة مذهلة للرئاسة بانتصاره الساحق في الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني الماضي، وتوفر أغلبية في المجلسين، وحقيقة بأن المجتمع الأمريكي قد أعطاه تفويضا صريحا بتطبيق رؤيته وسياساته.
أمريكا نحو الانكفاء والانزلاق للأسفل..
مراقبون غربيون يعتبرون بأن الإدارة الأمريكية التي ترأس القوة العالمية “الرائدة” تدخل اليوم في حقبة اللاعقلانية، وتقطع مع كل معنى للدولة، ومعايير الخدمة العامة القائمة، وأن من يبدي إعجابه اليوم بجرأة الرئيس الأمريكي الجديد المناهضة “للنظام”، و“لفائض البيروقراطية”، لا يدرك بأنه يذلك يعطي المصداقية لحفار قبور البيروقراطية، ومدمر السياسة كفكرة وأسلوب، على طريق تعمق المأزق الرأسمالي؟