قد يرى البعض أن ذكرى النكبة تمرّ هذا العام بتكرار المشهد، مابين نزوح وتهجير وخيمة، دمار وإبادة شاملة ممنهجة، تعيد للأذهان ما كان، وتجيب على اسئلة كثيرة، كيف هجّروا ، وكيف قُتلوا، وهل باعوا؟
في الجهة الأخرى من الصورة مقاومة باسلة لم يشهدها التاريخ من قبل، و من عادة الشعب الفلسطيني الإبداع في النضال والوسائل، الثبات و التجذر وعمق الانتماء، أنتج إنتفاضة الحجر والصدور العارية وينتج اليوم مقاومة مسلحة نمت وتطورت بزنود من آمن بأن الكفاح المسلح هو طريق التحرير.
نستذكر نكبتنا، نعزز صمودنا، نؤكد تمسكنا بالأرض والهوية، ننشر سرديتنا وقصتنا التي زرعناها قمحا وزعتر، بقيت وستبقى.
أراد الكيان الصهيوني من هذا التاريخ دولة، أعلن استقلاله، جمّع أُمّة وخلق لها سُبل التكوين، الدين واللغة والهوية، السلطة والمال أمعنّ في التخطيط وحشد حشوده من المتأمرين، حكم العالم وظن اكتمال فصول القصة.
لا استقلال لكم
الخامس عشر من آيار هذا العام لم يكن كما قبله أبدا، فيه خُطت فصول هزيمة هذا الكيان، اهتز عرشه، وتبدل كيانة من استقرارٍ مفروض الى خوف وتهجير ونزوح. لم تعد مستوطناته آمنة، وكأن الأرض نفثت عنها غبارها وأطلقت براكينها لترعب كل مكونات هذا الكيان المارق، فهو اليوم في أعمق أزماته الوجودية، والتي لا بد دُق مسمار نعشه وبدأ الطوفان …
ستةٌ وسبعون عاما من عمر الكيان الصهيوني ، سعى الى محو الأرض والإنسان الفلسطيني، ونسج علاقاته الطيبه العلنية مع دول الجوار، احكم تطبعية مع أنظمة تلهث وراءه كي لا تفقد مبرر الوجود، أفسد عروبية القضية الفلسطينية وأرادها قضية خاصة يبكيها أهلها وحدهم.
أرادت الكيان الصهيوني أن يرسم المشهد الذي يناسبه، يؤكد رسوخه وكأنه دولة حقيقية فرضت امراً واقعاً.. ليأتي السابع من اكتوبر سطر من سطور المقاومة ومراكمتها ليكون صفعة لكل من تآمر و سار على وهم هذا الكيان و شعر للحظة بأن لهذه القضية نهاية، ولهذا الشعب قصة سوى نهاية التحرير وقصص الصمود.
القصة الصهيونية لم تعد تحكم العالم
في كتابه الدولة اليهودية قال هيرتزل في ضرورة التعبئة من أجل القضية اليهودية عبر العالم، ومن ثم تجنيد الأوساط اليهودية خلف فكرة دولة لها التي ستقوم على مبدأ تهجير اليهود الى فلسطين، فتشكلت المنظمة الصيهونية العالمية كمظلة تنبثق عنها هيئات أساسية تؤمّن التمويل للاستعمار، والأرض للمستعمرين الصهاينة الأوائل مثل “الصندوق القومي اليهودي” و “صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار” لخدمة مصالح الصهيونية العالمية، والتي انتشرت تفرعاتها حول العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واخترقت الأنظمة الحاكمة والسياسات والأدوات في كل بلد وفق قوانينها وتشريعاتها بما يضمن تحقيق وجود صهيوني حقيقي حتى اصبحت السردية الصهيونية هي الغالبة والتي ملكت النفوذ والسيطرة.
انتفاضة الصدور العارية والحجر، وراء العدو في كل مكان و توجيه العالم نحو القصة من الجانب الآخر، التركيز على أن الهوية الفلسطينية هي هوية كفاحية جمعت حول مظلميتها أحرار العالم، التمسك بالبعد القومي والعروبي للصراع ، كان لكل هذا…. اللبنة الأساسية في ايصال القصة.
واليوم وفي العام السادس والسبعين بعد النكبة ومنذ مؤتمر الصهيونية الأول عام 1897 ومع نشوء الفكرة الأولى وماقبل ذلك مع بدء تنظير هيرتزل لايجاد هذه الدولة .. كل هذا لم يجعل لها استقراراً وبقاء بل جاء السابع من اكتوبر الماضي ليهز أركان منظومتها ويعيد للمظلمة الفلسطينية عدالتها والتفاف أحرار العالم حولها.
حراك الطلاب العالمي
اليوم ينذر بجيل جديد يملك رواية مختلفة تجعل منه قادرا على تغيير السياسيات و الوعي الجمعي اتجاه تحقيق العدالة والتأثير في المجتمعات ضد مفاهيم العنصرية و السردية الصهيونية التي حاولت سنوات طوال ارتداء ثوب المظلمة. الحراك الشعبي الحر في عواصم العالم والذي تجاوز في نضوجه الشارع العربي ايضا له نتائجة وحصادة وانعكاسه في قادم الأيام.
دماء الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وكل ما حوله دمار وإبادة لا يمكن أن تكون إلا دماءً للتحرير، وثبات القوى الوطنية والجبهات المساندة لغزة في حربها اليوم تحت عنوان واحد ايلام “اسرائيل” عسكريا هو القوة الضاربة التي ستنتصر وتجعل لا استقلال لما يسمى دولة “اسرائيل”.