المرأة التونسية شريكة أبدية في بناء الوطن | رانيا الحمامي

نداء الوطن
8 دقيقة وقت القراءة
رانيا الحمامي

أسالت المرأة عبر العصور كثيرا من الحبر، فكانت ملهمة الشعراء ، واحتلت مكانة في كتب التاريخ فكانت تارة تعلة وسببا للحروب مثل البسوس وتارة قائدة للقبائل المشتتة لتحرر أرضها مثل الكاهنة، وكانت الشخصية المحورية في اغلب الكتب الأدبية والروايات، وكانت بارزة في الكتب المعاصرة مثل الكتب التي تتناول مذكرات القائدات والناجحات ( إنديرا، قصة حياة إنديرا نهرو غاندي لكاثرين فرانك، أول رئيسة وزراء للهند…) ومتواجدة بكثافة في الكتب الدينية وخاصة الصوفية منها والتي أعطت للمرأة مكانة عظيمة، وعلى سبيل الذكر ما جاء في اشواق الترجمان لابن عربي قوله “….وأما فخر النساء أخته ،بل فخر الرجال والعلماء ،فبعثت إليها لأسمع منها..”.


وتركيز الكتب حول المرأة يؤكد تركيز الفكر الإنساني على المرأة وهو دليل التسليم بدورها الاساسي في بناء المجتمع من ناحية واعتراف بما قامت به في تأسيس الحضارات وتحرير الأوطان من ناحية اخرى. 

و في تونس ، فدور المرأة اليوم هو تواصل لما قدمته عبر التاريخ القديم والحديث لتأسيس وبناء تونس التي يمتد عبقها الى اقدم حضارة بشرية وهي الحضارة القبصية. 
ورغم بعض التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها البلاد التونسية عبر تاريخها والتي جعلت مكانة المرأة تمر بمنعرجات، الا انها كانت تسترجع دورها المتميز. فقد كانت المرأة التونسية تتشبث بحقوقها حتى في الفترات التي عاشت فيها تونس انغلاقا ولنا في اروى القيروانية مثالا. 

 لننطلق من البداية، من تاريخنا القديم. 
و ان كنت لا اميل الى النظرية التي ترجع تأسيس أعظم حضارة في التاريخ حضارة قرطاج الى قادمين من خارج البلاد ، فإن رمزية تأسيس “عليسة” لقرطاج تحمل العمق التاريخي والحضاري والاجتماعي والطبيعي لمكانة ودور المرأة في تونس. 
وبعيدا على الأساطير، فإن التاريخ وثق دور الكاهنة كما يطلق عليها العرب او ديهيا كما يطلق عليها الأمازيغ ، كقائدة تاريخية نجحت في تجميع القبائل المشتتة التي يصعب تجميعها وذلك لما عرفت به من دهاء وحكمة وشجاعة وبعد نظر وذكاء وتشبث بالهوية والأرض، وهو ما أكده بن خلدون في المقدمة ، وهي صفات تتميز بها المرأة التونسية الحرة المقاومة المتجذرة والمتعلقة بأرضها. 

أما في العصر الحديث, وعلى خطى جداتها، فرضت المرأة التونسية نفسها على جميع الاصعدة عبر شخصيتها الفريدة والمتميزة. فقد ساهمت في معركة التحرير الوطني ، كما انها كانت سباقة في الانخراط في الحياة السياسية (على سبيل المثال مارست المرأة التونسية حقها في الاقتراع قبل المرأة السويسرية) و سباقة مقارنة بالمرأة العربية في ممارسة مهن تستوجب العلم و رباطة الجأش فكانت أول طبيبة دكتورة و أول سائقة قطار و أول سائقة طائرة وأول قائدة باخرة و أول وزيرة. 
وهي اليوم تواصل أسبقيتها على مستوى دولي و قد صنفت سنة 2020 من منظمة ” اليونسكو” الأولى ضمن قائمة الافريقيات والعربيات الرائدات في مجال البحث العلمي. كما ترأست الحكومة التونسية و ترأست عدد من الوزارات والمنظمات والجمعيات والمؤسسات الوطنية والشركات الكبرى محتلة أعلى الرتب داخل تونس وخارجها. 
و يرتكز الإقتصاد التونسي اليوم على كفاءات المرأة التونسية فهي محرك أساسي للتنمية تتواجد في كل القطاعات.

و رغم كل ذلك و رغم دعم الدولة للمرأة عبر برامج تشجيعية في ريادة الأعمال وبعث الشركات الناشئة وفرض قوانين تساوي الأجور للجنسين وقوانين لا تستثني المرأة من مسؤوليات رفيعة المستوى ورغم تفوق المرأة الدراسي حسب الإحصائيات ورغم حقها في ممارسة الحياة السياسية فإن الواقع لا يعكس القدرة الفعلية للمرأة وإمكانياتها الحقيقية والمكاسب التي تتمتع بها. حيث نلاحظ انخفاض نسبة تسميات المرأة لمهام رفيعة المستوى و انخفاض نسب ترأسها مجالس الإدارة رغم الكفاءة و المؤهلات الحقيقية، ونلاحظ عدم مساواة في نسب التواجد في مواقع النفوذ والسلطة وشبه غياب في العمل السياسي مقارنة بالرجل بما لا يعكس قدراتها في إدارة الدولة
وتأثيرها السياسي الإيجابي.


 كما نلاحظ في كثير من الأحيان انخفاض الأجور الممنوحة للمرأة مقارنة بالأجور الممنوحة للرجل لنفس العمل، و نلاحظ عنفا مسلطا جسديا أو معنويا ضدها لا يتناسب مع القوانين التي تحميها.

ان ما برز في فكر الطاهر الحداد وفي ما أسس له محرر المرأة الزعيم الحبيب بورقيبة عبر تقنينه لحقوق المرأة وجعلها مساوية لحقوق الرجل وصدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956، ثمين جدا أعطى للمرأة مكانة جديرة بها مما أثر إيجابا على المجتمع والاقتصاد التونسي وأكسب تونس مكانة وصورة محترمة في العالم. لكننا اليوم نقف امام رهانات جديدة يتعين اتباعها لتطوير هذه المكانة بما يناسب كفاءة المرأة التونسية اليوم وقدراتها. 


إن تفعيل القوانين التي تعزز دور المرأة و مكانتها لا يكفي لرفع ما أعتبره مظالم في حقها. وعليها و على الرجل التونسي الذي كان السند والدافع والمساند لحرية المرأة، العمل معا لملامسة وعي المجتمع ومزيد تطويره من اجل النهوض بمكانة المرأة وعدم تقييدها بقوالب مجتمعية تجعلها أسيرة صورة نمطية لا تتماشى مع كفاءاتها و العمل على تفعيل المراقبة اللصيقة لحمايتها من كل ما يمس من حقوقها ومواصلة تفعيل القوانين التي تضمن حقوقها. 


وعلى الوسائل المرئية خاصة الابتعاد على تسويق المرأة كصورة للغوص في جوهرها و ما يمكنها اضافته الى المجتمع والى الدولة. كما علينا دفع المجتمع الى إستيعاب ان المرأة تقاسم الرجل الحقوق والواجبات وسط العائلة وفي البيت بالتساوي كما تقاسمه الدور في العمل وفي تحمل المسؤوليات بكل مشاقها. كما على النساء أن يتضامن بينهن تضامنا مطلقا من أجل ذلك.


أن دور المرأة في تطور المجتمع وانفتاحه وفي ضمان التنمية الشاملة والمستدامة رئيسي وجوهري خاصة لما تتميز به المرأة التونسية من كفاءة على مستوى التسيير والإدارة والتحليل والاستشراف والرؤية و من كفاءة على مستوى تقني. ولتفعيل هذا الدور والتحرر من احتكار الرجل للمناصب الاكثر حساسية، علينا سن مزيدا من القوانين الذي تفرض المساواة بين المرأة والرجل في نسبة ترأس المجالس الادارية وفي نسبة التواجد فيها وفي نسبة التواجد في مجلس النواب وفي نسبة التواجد في مهام رفيعة المستوى وفي نسبة التواجد في مواقع اتخاذ القرار. وموازاة لذلك، علينا العمل على تطوير وعي المجتمع في ما يخص حق المرأة و كفاءتها. وعلينا العمل على مراقبة تفعيل هذه القوانين على أرض الواقع.


إن مصلحة تونس تستوجب تكافئ الفرص الحقيقي والمنافسة البناءة بين المرأة والرجل لإستغلال كافة الكفاءات التونسية لمواصلة بناء الدولة و تطويرها. وعليه يجب أن يتواصل النضال على مستوى تشريعي وعلى مستوى اجتماعي. وعلى المرأة على وجه خاص إدراك قيمتها الفعلية ودورها في تأسيس الدولة التونسية والمجتمع التونسي و إزدهاره. 


و يكفي فخرا للمرأة انها في عصرنا الحديث ، انها لم تعلن يوما الحرب، لأطرح السؤال، كيف سيكون عالمنا اذا تمكنت المرأة من التمركز اكثر في مواقع القرار. 

في الواقع، لا وجود لفروقات جوهرية بين المرأة والرجل تستدعي التعامل معهما بشكل مختلف. الا ان ما نلاحظه في مجتمعاتنا من تمييز ضد المرأة يحكمه العقل التقليدي في ظل قوالب نمطية وحواجز موضوعة يدفعنا للى مواصلة النضال.


إن الغاية ليست في جعل المرأة موضوعا للاحتفال أو الكتابة، بل في الوصول إلى مرحلة يصبح فيها التمييز السلبي بين المرأة والرجل ماضيا، حيث تُمنح المرأة فرصا متساوية مثل التي تمنح للرجل ليكون مجتمعنا أكثر عدالة، حيث يُحترم الفرد لإنسانيته وقدراته، بعيدا عن أي تصنيف مبني على الجنس.

شارك المقال

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading