عبط التاريخ في زمن التفاهة.. ومشكلة الإعلام

رانيا لصوي
6 دقيقة وقت القراءة

استوقفني تعليق اختزل كل ما يدور في الذهن واصفا ما تقدمه “الإعلامية” ياسمين عز بعطب التاريخ بدلا عن عبق التاريخ، وهي التي حاولت البناء على أمجاد حضارتنا وتاريخنا لتسويق أفكار مشوهة وسطحية بحجة الرأي الآخر، لكنها تمس كل أسرة وكل بيت في المجتمعات العربية.

# ياسمين_عز التي باتت تلعب على وتر القوميات العربية بعدما أثارت الجدل بما تقدمه من عنصرية وسطحية تجاه المرأة العربية وحتى الرجل العربي، فكل ما تقدمه لا يندرج إلا في إطار النشاز والاختلاف غير المقبول، على الرغم من أننا مجتمعات ذكورية بالجوهر، إلا أن الغالبية ترفض ما تقدمه هذه “الإعلامية” والتي استغرب تماما أن تجد منبرا إعلاميا يروج لها ويستضيف برنامجها بالأساس.

بالطبع لن أناقش في مقالي هذه المدعوة ياسمين عز، بل فكرة التراجع في الإعلام الذي كان سلطة رابعة وصفها مالكوم إكس بأنها “الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديه القدرة على جعل الأبرياء مذنبي وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير” وهذا تماما ما نعيشه اليوم من ثالوث الإعلام، العولمة والتفاهة.

هل تغير مفهوم الإعلام، أدواته، وسائلة وأخلاقياته؟

اسئلة كبيرة نطرحها في ظل التطور التكنولوجي ونمو الشبكة العنكبوتية، تطور الإعلام وطرائقه، أصبح نافذة مفتوحة للجميع، ووسيلة للتعبير عن الذات، توجيه الأحداث، تحويل قضية ما الى قضية رأي عام، بل أصبح قادرا على تغيير ملامح الثقافة المجتمعية والفكرية.

الإعلام ووسائلة التي استطاعت الإطاحة بأنظمة سياسية، أو تشويه أخرى، تزوير الخبر، توجيه الفكرة… أصبح له دعاته بشكل مختلف، فكثر وصف الإعلامي… وغاب المنهج والنهج والتخصص.

السلطة الرابعة

في البدايات لقب الإعلام أو الصحافة ب “صاحب الجلالة” الى أن تبلور مصطلح “السلطة الرابعة” مع تنامي الأنظمة الديمقراطية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما قال المفكر البريطاني أدموند في إحدى جلسات البرلمان البريطاني: “هناك ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا”.

كان للصحافة والصحفيين قدرة على التأثير، اسم لامع من جهد وفكرة، قراءة ونقد، دور كبير في البناء والتغيير.

الإعلام العربي سلطة رابعة للتضليل والتمييع

هذا ليس رأيا أو تجني، بل هو واقع أريد له أن يكون، من قوى تعي تماما ما تريده من الوطن العربي، كيف تفتته، تقلص إنجازاته وتشوه وعيه. فكان العمل بكافة الأشكال على تمييع الإعلام العربي والعبث به من خلال ما أحدثته العولمة من تأثيرات وتغييرات مست جوهر الاعلام العربي يمكن أن نصفها بالإشكاليات

انعدام الزمان والمكان لم يعد مكان العمل مقدسا وربما لم يعد موجودا، أصبح أي أحد قادر على العمل من بيته، بأي وقت وزمان، وهذه إن كانت إيجابية في مجال فهي سلبية هنا، فلم يعد الإعلامي يصف ما يرى، أو يقدم ما يعيش.

توحيد المعايير، غاب المتميز، صاحب الفكرة، لم نعد نسمع بأسماء بوزن حمدي قنديل، ومحمد حسنين هيكل… في السابق كان هناك تمايز بالتخصص والتحليل، اليوم توحدت المعايير وأصبح في الميدان ألف خيال دون بصمة أو تأثير بل أصبحنا في إعلام الموضة والدارج.

تعزيز المستهلك على حساب الإنسان الذي اصبح عدد معجبين، لايكات ومشاهدات ففقدنا قيمة التفاعل الحقيقي مع الحدث وقياس تأثيره الفعلي وغرقنا في مقولة الجمهور يريد هذا.

التبعية وعالم القطب الواحد فرغم مايبدو عليه العالم اليوم من حرية، إلا أنه اكثر تقييدا وتعقيدا وفق معايير الأقوى وهذا ما نلاحظة بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح المستهلك الانسان والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي مكانا لصراع الدول والشركات العملاقة، وتحقيق الانتصارات السياسية والاقتصادية. بل التحكم بالسياسيات وفرضها.

في دراسة لافتة قرأتها خلال بحثي هذا طرحت مجموعة من الأسئلة حول إمكانية التغيير في طبيعة الإعلام، ومضمونه، وحتى جمهوره؟ هل يمكن التغيير في طبيعة المؤسسة الاعلامية؟

من الصعوبة الفصل بين الأداة التكنولوجية والمضمون الذي تحمله، وما تعكسه من تغييرات اجتماعية وثقافية ومضامين مختلفة عن غيرها وقسمت رؤيتها لفرضيات أورد بعضها

  • التغيير في الوسيلة الإعلامية واعتماد الفردية على حساب المؤسسية، في المقدم والمستقبل، فأصبح هناك اعلام فردي خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، وغاب الحضور العائلي للإعلام والتفاعل معه لصالح الهاتف الذكي الشخصي وصفحات التواصل الاجتماعية الشخصية.
  • القنوات الفضائية المتخصصة التي فعلت فعلها في إيلاء الاهتمام في المد والانتشار العامودين على حساب الأفقي بين الجماهير، فأصبح لدينا قنوات إخبارية، رياضية، ثقافية، فنية… مما أدى إلى غياب البرنامج الإعلامي الثقافي الحقيقي.
  • القنوات الخاصة والتي لا تهتم في نوعية ما تقدم وإنما فيما ما تحصد من ربح مالي، فأصبح الإعلام تجارة لا فكرة.
  • تسليع الثقافة والاعلام والتطور اللامنطقي لنمط الانتاج السائد للافلام السينمائية والبرامج التلفزيونية… إلخ
  • التداخل بين الترفيه والإعلام والثقافة وصعوبة الفصل بين هذه المجالات. أصبح التعليم والتثقيف يقدم عبر شاشات صغيرة في قوالب ترفيهية تشجع من هم خارج البث التلفزيوني على الالتحاق في البرامج من خلال الهاتف الذكي وشبكة الانترنت.
  • التفاوت بين الممارسة الإعلامية والتشريعات القانونية فتغيرت الآليات والمعايير وحتى الالتزام في قوانين التأسيس والنشر، فلم يعد هناك قوانين وأنظمة لعمل الصحافة والاعلام.

كل هذه النقاط والأسباب أدت لما نراه اليوم من تراجع في الفكرة والصورة الاعلامية، أدت الى بروز إعلاميين لا ينتمي الى المهنة في شي، غير قادرين على إيصال أي فكرة حقيقية، ولكن يحققون التريند والمشاهدات التي تجنى لهم ولأصحاب قنواتهم مايكفيهم من مال بلا فكرة.

شارك المقال
  • عضو في حزب الوحدة الشعبية
  • ناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية
  • مهتمه في قضايا المرأة
  • رئيسة رابطة المراة الاردنية سابقا
  • مدونه في الشان الفلسطيني والمراة