تصريحات وزير المالية “الإسرائيلي” بحق الأردن، ليست سوى تخرصات وقحة، وترجمة لجوهر المشروع الصهيوني، وتعكس حقيقة الموقف الصهيوني التوسعي الإحلالي الإستعماري الذي يتمثله الكيان الصهيوني تجاه الأردن وفلسطين، أرضاً وشعباً على السواء..
وبات الأمر يتطلب فهما وطنيا وقوميا عميقا للأخطار والأطماع الصهيونية تجاه الإقليم برمته، وعدم الإكتفاء بالردود الدبلوماسية الموسمية القاصرة من جانب الحكومة ومهما كانت نبرتها عالية، مع ضرورة وضع تصور لمعالجة رسمية وشعبية مسؤولة، تجاه السياسات وليس فقط ما يصدر من وقت لآخر من تصريحات موتورة من أطراف المؤسسة الصهيونية الحاكمة.
في الأسابيع الأخيرة، شكل إمتثال الأردن للطلب الأمريكي بالدعوة للقاء العقبة الخماسي، ثم إتباعه بحضور إجتماع شرم الشيخ، خطأً تكتيكياً وإستراتيجياً خطيرا على مستقبل الأردن، فيما يدرك الجميع بأن من أهم أهداف هذه اللقاءات، هو
البحث في كيفية لجم المقاومة الفلسطينية المتنامية في الضفة الغربية على طريق تصفيتها، تحت شعار “التهدئة” المخادع.
كما شكل وجود الكيان الصهيوني على طاولة الإجتماعات في العقبة وشرم الشيخ، تسويقا لمفهوم التطبيع الدارج؛ بأن “إسرائيل” هي جزء أصيل من المنطقة، وشريكة في حل مشكلاتها، وليست المشكلة الأساسية فيها.
ونحن هنا نتساءل: لماذا تم اللقاء في الأردن؟
وما هو الدور، ولماذا يتم إستهداف فلسطين من العقبة؟
لقد كانت فلسطين دوما الأكثر استهدافاً وهدفا للأطماع المتواصلة عبر التاريخ، في حين شكلت بحق العمق التاريخي والحيوي للأردن، كما يشكل الأردن العمق التاريخي والمجال الحيوي لفلسطين، رغم كل محاولات المشروع الإستعماري بكل تعبيراته ومنذ وعد بلفور لشطب هذه المعادلة، وإبقاء الأردن كجغرافيا وكيان، في بؤرة الملف الأمني الصهيوني.
الخوف على الأردن الآن يتأتى من جوهر المشروع الصهيوني عليه، والذي يقوم على الإخضاع والسيطرة التدريجية تحت “رعاية وإشراف” أمريكي، والمفارقة أن يصبح العائق السياسي لتكاملية المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن، هي المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في الضفة الغربية، وبالتالي ليس من المصلحة الوطنية الأردنية، أن يَقبل النظام الأردني دورا في التعامل مع مقاومة الضفة بغرض تصفيتها، ليكمل الدور الذي يلعبه النظام المصري في حصار وتكبيل مقاومة غزة، فيما الهجمة على الشعب الفلسطيني ليست مسبوقة في عمقها واتساعها ووحشيتها، ولا في حجم تواطؤ الصمت الدولي على تنفيذها.
ورغم الأهمية الجيوسياسية للأردن، يلاحظ بعض المراقبون، بأن الأردن الرسمي قد إندفع إلى لقاء العقبة دون حسابات وطنية متزنة، رغم الرفض الشعبي المعلن والمستحق والذي بات يؤمن بأن فلسطين هي قضية وطنية أردنية، في ظل ظروف ذاتية وموضوعية، تتراجع فيها قيمة ما يمكن أن يقدمه النظام للأطراف الإقليمية، مقارنة مع الكلف السياسية والوجودية متوسطة وبعيدة المدى، والتي قد يترتب عليه دفعها جراء مشاركته بهذه الألاعيب الخاسرة، حيث يخضع الأردن على الدوام إلى تحولات في أولوياته وخياراته نتيجة تحول الأولويات الاستراتيجية للقوى الفاعلة في المنطقة، وقد جاءت معاهدة وادي عربة، وما تلاها من الإتفاقيات مع الكيان في عناوين الطاقة والمياه والإقتصاد، لتنال أكثر من هذه المكانة، كما أدى التواجد العسكري الأمريكي المكثف على الأراضي الأردنية، وما رافقه من توقيع إتفاقية التعاون الدفاعي الأردنية الأمريكة، إلى مزيد من تقويض السيادة الوطنية، وتفاقم العزلة السياسية، وتراجع في الدور والتأثير، ومواجهة الرفض الشعبي، ودخول الحكم في حالة من إهتزاز الثقة بقدراته وخياراته، وعجزه عن تبرير سياساته.. وقد أدى مؤخرا الإنفتاح التطبيعي عبر علاقات تبادلية مباشرة بين بعض الدول الخليجية والكيان، إلى ضمور في دور الأردن كجسر عبور ووسيط في تقديم خدمات لدول الجوار.
جملة هذه الخيارات الخاسرة أدت إلى الإمعان في سياسات التفقير، وتكميم الأفواه، وتشديد القبضة الأمنية والبطش بالفعاليات الوطنية، والنشطاء السلميين!!
الرد الشعبي على الأطماع الصهيونية، يكون بتعميق الترابط بين الحركة الوطنية الأردنية والفلسطينية وتوحيدهما، وصولا إلى إمتداداتها العربية.. والرد الرسمي يجب أن يشرع بداية بطرد السفير من عمان، وإعادة مراجعة كل المعاهدات والإتفاقيات التي عقدت مع الكيان على أرضية إلغائها، وإستعادة سيادة الأردن وتخليصة من كل أشكال التبعية الإقتصادية والسياسية.