بإنتقالهما إلى الجولة الثانية، يتكرر وضع إنتخابات الرئاسة الفرنسية لعام 2017، وهكذا بعد خمس سنوات، ينحصر -نهار الغد الأحد- التنافس مجددا بين إيمانويل ماكرون، ومارين لوبين.
أهم نتائج المرحلة الأولى بالنسبة للمراقبين، كانت تقدم اليساري ميلانشون إلى المرتبة الثالثة في نسبة الحصول على الأصوات وفي الحضور السياسي، وتراجع تاريخي لليمين الجمهوري، وشبه تلاشي للحزب الإشتراكي “التحريفي”، وحضور باهت للحزب الشيوعي!!
بالمحصلة العامة، شهدنا بروز ثلاثة أقطاب رئيسية على الرقعة السياسية الإجتماعية الفرنسية:
اليمين النيوليبرالي المعولم، واليمين الوطني العنصري، وقطب اليسار الراديكالي المعادي للإمبرالية، بزعامة ميلانشون، والمأهل حاليا ل”لملمة” اشلاء اليسار.
الطبقة السياسية الفرنسية الفاسدة -تحركها أصابع خفية صهيونية، ورأس المال المالي- تسيطر على الفضاء الإعلامي المرئي والمقروء.. تختلف على قضايا كثيرة، ولكنها تتفق الآن على تدوير الزوايا، كما إتفقت في الدورة الأولى على حصار (ميلانشون)، والحد من صعوده، وإبعاده عن الجولة الثانية.
الانتخابات في فرنسا لم تعد الآن محصورة بين حزبين رئيسيين، بل تقوم على إنقاسامات وتوترات عميقة تلحق بالمجتمع الفرنسي وقواه السياسية والإجتماعية، وتعود بالأصل إلى صراعات ثقافية وحضارية متأصلة، وتشمل الجوانب الإجتماعة والهوياتية والسياسات الخارجية.
وعليه فإن مجال تأثيرات نتائج الإنتخابات الحالية لن تكن محصورة فقط على المجتمع الفرنسي، بل ستتجاوزه إلى الفضاء الأوروبي، والعلاقات الخارجية، خاصة وأن فرنسا باتت تُشكل أهم القاطرات الأوروبية في المجال السياسي والفكري!!
في حال فوز لو بين سيتحقق للمتقاعدين والشباب بعض المكتسبات الإجتماعية، وفي المقابل، سيتراجع إهتمام فرنسا الأوروبي، وكذلك بحلف الناتو، وستميل العلاقات مع روسيا إلى التحسن والإنفتاح النسبي، وتتعزز مواقع المناهضين للعولمة، ولكن في نفس الوقت، ستتأجج السياسات العنصرية ضد الأجانب، والتضييق على الهجرة.
ماكرون يمثل تيار العولمة، وربيب المصارف وبيوتات المال، وضعيف الإنتماء للجذور الوطنية! أثناء أزمة أوكرانيا، دعم ماكرون أولئك الذين إنتهجوا سياسة عدائية ضد روسيا، وساهم -وهو يرأس الإتحاد الأوروبي- بتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة والذخائر الهجومية.
يغيب عن برنامج المتنافسين بشكل ملفت، البعد الإقتصادي الإجتماعي الملموس، وقد لمسنا بأنه خلال الأسبوعين الأخرين الذين تبعا الجولة الأولى، حصل تقارب في الرؤية والتوجهه بين المرشين، حيث إقترب ماكرون أكثر من رؤية المرشحة لو بين في قضية تبكير سن التقاعد، والإستعداد لنقاش قضايا تخص الأمن الداخلي الفرنسي، وملف اللاجئين، بينما سجلت لو بين إنزياحات هامة وإقتربت من ماكرون في السياسات الأوروبية، وخففت قليلا من غلواء صورتها العنصرية.
نجاح ماكرون يعني إستمرار سيطرة النيوليبرال والعولمة، وإستمرار الدور الأوروبي، والتبعية للسياسات الإمبريالية الأمريكية.
إن تم إختيار لوبين العنصرية، فهذا يدلل على حصول تغيير كبير في ذهنية النخب السياسية الفرنسية يعادل عملية إنقلاب بيضاء!!
في الجولة الثانية لإنتخابات الخمسية السابقة، حصل ماكرون على 66% من أصوات الناخبين، بينما حصلت لو بين على 34%، بسبب ظاهرة تتكرر في الإنتخابات الفرنسية في كل مرة يصل فيها مرشح من اليمين العنصري إلى الجولة الثانية، تسمي إنقاذ الجمهورية، وبناء السدود لإقصاء التطرف العنصري.
في هذه الدورة، كلا الخيارين اليمينيين الذين يمثلان (قطبي) التنافس سيئة للمجتمع الفرنسي. ومن المرجح أن يستفيد المرشح ماكرون من هذا الصويت “الإضطراري”، كما حصل معه في المرة السابقة، وبفارق أصوات كبير جدا.. ولكن في هذه الدورة، وبعد تجربة خمس سنوات فاسدة في الحكم، ما زالت فرص الفوز لماكرون حاضرة في إستطلاعات الرأي، ولكن بفارق بسيط في الأصوات، حيث ستصوت أغلبية بسيطة من الفرنسيين لصالح الإستقرار، واليمين الليبرالي، فقط لتفويت الفرصة على اليمين العنصري.
بينما سيسجل عدد الأوراق البيضاء، والإمتناع عن التصويت، نسبة قياسية في تاريخ الإنتخابات الفرنسية، وعين الجميع على الإنتخابات التشريعية القادمة، والتي يؤمل أن يسجل فيها اليسار حضورا بارزا، وعودة فاعلة في الحياة السياسية الفرنسية.