قبل حوالي ثلاث سنوات سلّمت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني شكوى إلى المركز الوطني لحقوق الانسان، بوجود خروقات للقانون الدولي واتفاقيّات جنيف، ودعم جرائم حرب، ضد كل من هو مسؤول عن توقيع اتفاقية استيراد الغاز من العدو الصهيوني، والتي يتم من خلالها التمويل المباشر لـ”مجموعة ديليك” الشريكة في حقول الغاز، التي كانت قد أُدرجت وقتها على قائمة الأمم المتحدة للشركات الـ112 التي تخرق القانون الدولي، وتدعم المستوطنات وتعمل فيها!
مجموعة ديليك “الإسرائيلية” (ومن خلال ملكيّتها لشركتيّ ديليك للحفر، وآفنِر لاستكشاف النفط)، تملك 45.34% من حصص الشركاء في حقل ليفاياثان الذي تستورد منه شركة الكهرباء الوطنيّة، وهي أكبر حصّة على الإطلاق ضمن ملكيّات الحقل؛ كما تملك حصّة 31.2% من حقل تامار الذي تستورد منه شركة البوتاس العربيّة الغاز، وهي تحوز بهذا المعنى على مليارات الدولارات من الأرباح الناتجة عن اتفاقيّات الغاز المذكورة، تُساهم في دعم “الاستيطان غير المشروع”، الأمر الذي يجعل كل من ساهم في توقيع وتمرير الاتفاقية. داعمًا وبشكل مباشر، للاستيطان المذكور، خارقًا بذلك القانون الدولي، واتفاقيّات جنيف التي صادق عليها الأردن عام 1951.
ومع أن الحملة لا تعترف بشرعيّة المشروع الاستعماري الاستيطاني على كامل الأراضي المستعمرة منذ ما قبل عام 1948، لكن كان من المهم الإشارة إلى الإجماع في دوائر الأمم المتّحدة ومحكمة العدل الدوليّة يفيد بعدم شرعيّة المستوطنات على أراضي فلسطين المحتلة عام 1967، وأن وجودها يشكّل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، ويخالف المادة 49 من اتفاقيّة جنيف الرابعة، ويُعتبر “جريمة حرب” بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليّة، كما أكّدت محكمة العدل الدولية عدم شرعيّة هذه المستوطنات في قرارها عام 2004، مما يعني الخرق الواضح للمادة 49 من اتفاقيّة جنيف الرّابعة، ويشاركون في دعم المستوطنات “غير الشرعيّة”، ويدعمون جرائم الحرب التي تمثّلها هذه المستوطنات خير تمثيل.
ومع كل أسف لم يتعامل المركز مع الشكوى! على الرغم من وجود موجبات يستطيع أن يستند إليها المركز والتحرك لإبطال الاتفاقية، كما هو مذكور اعلاه، ان كان يمتلك أدنى أصول المهنيّة والاستقلالية.
وكان قد سبق وأن تقدمت الحملة في أواخر العام 2016 بشكوى رسميّة إلى “هيئة النزاهة ومكافحة الفساد” واضعةً بين يدي رئيسها ملفًّا مكوّنًا من أربعين صفحة، مدعّمًا بـ 19 وثيقة، تشير بوضوح إلى شبهات فساد تحيط بصفقات استيراد الغاز من الكيان الصهيوني.
وبعد مرور عام على تقديم الشكوى، قامت الحملة بإعادة تقديم الملف مدعّمًا بـ24 وثيقة، حيث قامت بتسليمه رسميًّا لدى قسم الشكاوى لدى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد يكون أهم ما جاء في الشكوى الثانية هو ما يتعلق بالشركة المسماة “الأردن للتسويق المحدودة” وهي شركة وهميّة مقيمة في جزر الكايمان، حيث أن تلك الجزر تعتبر ملاذًا للتهرب الضريبي وللشركات المشبوهة وتخفي كل وثائق الشركات الوهميّة وغير الوهميّة وأيّة معلومات تتعلق بالشركات المسجلة أو الحسابات المسجلة لديها، ومع ذلك للأسف لم تكلف هيئة “النزاهة” نفسها عناء الإطلاع على شكوى الحملة.
لم تكتفِ الحكومة بتمرير واستمرار تنفيذ اتفاقيّة الغاز، على الرغم من لا جدواها اقتصاديًّا، وعلى الرغم من رفضها شعبيًّا، بل راحت لتُبرم اتفاقًا آخر عندما وقّعت على رسالة النوايا المتعلقة بتبادل الماء بالكهرباء مع الكيان الصهيوني، وكما العادة، لم تلتفت للأصوات الشعبية المناهضة لتلك الاتفاقيّات وما تشكله من مساس بالسيادة الوطنيّة الأردنيّة ورهن لقطاعات حيويّة واستراتيجيّة للعدو، لتعطيه امتيازات التحكم بتلك القطاعات وابتزازات سيستخدمها في كل مناسبة، ولتشكل له غطاءً سياسيًّا ليستمر بجرائمه بل وتلميعها وتببيضها، وتزداد اقتحاماته التي لم تتوقف أصلًا للمقدسات الخاضعة للوصاية الأردنيّة.