في الذكرى (46) ليوم الأرض:
يوم الأرض محطة نضالية للتعبئة ضد الاحتلال وللنهوض الوطني والقومي
(هنالك علاقة طردية بين التهافت على السلام والتطبيع وبين تعاظم شهية الاحتلال في قضم الأراضي والاستيطان)
إحياء ذكرى يوم الأرض المجيد في أرجاء فلسطين التاريخية كافة، يشكل قيمة نضالية كبيرة لما يتضمنه من تعبئة نضالية، ضد الاحتلال الصهيوني، الجاثم على صدور الوطن والشعب، ولما يتضمنه من تفعيل وتنشيط للذاكرة الجمعية الشعبية للأجيال الفلسطينية التي صنعت ملحمة انتفاضة الحجارة (1987- 1993)، وانتفاضة الأقصى(2000-2005)، وهبة الدهس والسكاكين عام 2015، وهبات القدس المستمرة، وهزمت العدوان على غزة في الأعوام 2008، 2012، 2014، 2019، وصولاً إلى معركة سيف القدس التاريخية في مايو ( أيار ) 2021 التي ألحقت بالعدو هزيمة ً نكراء وطرحت سؤال الوجود في الكيان الصهيوني.
يوم الأرض، رغم الاحتفال المناسبي به في الثلاثين من آذار من كل عام، إلا أنه في تداعياته ومفاعيله؛ أصبح فعلاً نضالياً مستمراً في عموم فلسطين التاريخية، سواءً في صمود الأهل في مناطق 1948 وخوضهم صراع البقاء في الجليل، والمثلث والنقب، وفي سائر المدن والقرى الفلسطينية، أوفي الهبات الجماهيرية المستمرة، وفي العمليات الفدائية الجريئة غير المسبوقة في الضفة الفلسطينية.
الخلفية التاريخية ليوم الأرض
لقد شكل تطور العامل الديمغرافي الفلسطيني في مناطق 1948 عامل قلق للكيان الصهيوني خاصةً في منطقة الجليل؛ إذ أنه بعد تشريد حوالي (900) ألف فلسطيني من وطنهم إثر النكبة، بقي في الأراضي المحتلة (150) ألف عربي، عاشوا على (35) ألف دونم من الأراضي الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب، وبعض الأحياء في عكا وحيفا ويافا، حيث صمدوا رغم كافة أشكال القهر القومي، والتضييق الاقتصادي والاجتماعي عليهم.
وقد تضاعف عدد العرب، في المناطق المحتلة عام 1948 من (150) ألف إلى (450) ألف عام 1967، وليصل عددهم إلى (600) ألف عام 1976، مما أربك القيادة الصهيونية، ومخططاتها التهويدية، خاصة وأن نسبة التوالد لدى العرب بلغت في حينه 5.8 في المائة، في حين لم تتجاوز نسبة التوالد لدى اليهود آنذاك 1.5 في المائة. ومما زاد من قلق القيادة الصهيونية آنذاك، وجود أكثرية عربية في منطقة الجليل، بنسبة 70 في المائة مقابل 30 في المائة فقط من اليهود، حيث لجأ ما يسمى بمتصرف اللواء الشمالي في الكيان الصهيوني “يسرائيل كنج” إلى وضع مذكرة سرية عام 1975، تدعو إلى مصادرة 21 ألف دونم في الجليل تعود ملكيتها الى 16 قرية عربية، وضمها إلى إقليم مسجات الإسرائيلي وإقامة ثماني مدن صناعية عليها. واقترح كينج في مذكرته أيضاً، توطين اليهود في المناطق التي يشكل فيها العرب أكثرية، وتقليص التجمعات السكانية العربية، بالإضافة الى سلسلة من الإجراءات التضييقية في مجالي التعليم والعمل، وتلا ذلك صدور قرار بأغلاق منطقة رقم 9 بتاريخ 31-2-1976، ومنع السكان العرب من الدخول اليها.
لقد جاءت مذكرة كينج، في إطار استراتيجية الحركة الصهيونية، قبل قيام دولة الكيان الصهيوني الاحتلالية، وبعدها والمستندة الى الاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأرض العربية، وزيادة الهجرة اليهودية والاستيطان عبر احياء وتفعيل القوانين الانتدابية البريطانية قبل عام 1948، وعبر سن قوانين جديدة لمصادرة الأراضي.
هبة يوم الأرض
ما أن تسربت وثيقة كينج، وعرف العرب بمضمونها، حتى قاموا بتشكيل لجان الدفاع عن الأرض، وعقدوا مؤتمرهم الأول في 15- 8- 1975 ومؤتمرهم الشامل في الناصرة في 25- 3- 1976، واتخذوا قرارهم التاريخي بتنظيم الاضراب الشامل، وتنظيم المهرجانات والمسيرات في 30 آذار (مارس) 1976. في ذلك اليوم التاريخي، أعلن المواطنون العرب الإضراب، وانطلقوا في مظاهرات الغضب الجماهيري والتحدي، احتجاجا على سياسات مصادرة الأراضي والتجويع والافقار والتجهيل، مما شكل صدمة قاسية لحكومة العدو الصهيوني التي توهمت أن عرب 1948 استسلموا لقدرهم واستكانوا لسياسات الامر الواقع، حيث لجأت سلطات الاحتلال، إلى أقصى أساليب العنف ضدهم وأرسلت قوات عسكرية ضخمة، إلى المدن والقرى العربية، خاصة في منطقة الناصرة، لتحول دون نجاح الإضراب؛ فتصدى لها المواطنون العرب المسلحين بإرادتهم، وبعمق انتماءهم لوطنهم وأمتهم، حيث ارتقى إلى العلا ستة شهداء ليرووا بدمائهم أرض فلسطين، وهم : يوسف ريان وخضر خلايلة وخديجة شواهنة من سخنين، ومحسن طه من كفر كنا، وخير يسن من عرابة ورأفت زهيري من نور شمس.
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت مناسبة يوم الأرض، معلماً بارزاً ومحطة نوعية على طريق نضال الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية، وتمسكه بترابه الوطني، ومناسبة للمراجعة واستنهاض الهمم للتشبث بالأرض، ولوضع الخطط والبرامج اللازمة للتصدي للإجراءات التهويدية للأرض، وللتصدي لسياسات الحصار والتضييق والتنكيل الاسرائيلية، ضد أبناء الشعب الفلسطيني سواء في مناطق 1948 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.
التشبث بالوطن والهوية
في ذكرى يوم الأرض لا بد من التوقف أمام مسائل غاية أبرزها:
أولاً: أن الجيل الجديد في مناطق1948، متمسك بوطنه على نحو كبير أفشل مقولة الصهاينة “بأن الأجداد والآباء، يموتون والأبناء ينسون”، وأن هذا الجيل يمتلك جرأةً وإصراراً غير مسبوق، في التمسك بالهوية وبالحق التاريخي في فلسطين.
ثانياً: أن الاختلافات الأيديولوجية، بين العرب في مناطق 1948 لم تضرب الوحدة الوطنية، إذ أن أبناء الشعب الفلسطيني المنضوين في تيارات وأحزاب قومية ويسارية وليبرالية وإسلامية، موحدون في مواجهة سياسات الأسرلة والتذويب، وفي الحفاظ على هويتهم العربية، في إطار من التنسيق النضالي الذي يشكل إرباكاً حقيقياً للاحتلال.
ثالثاً: أن مقاومة يوم الأرض شكلت عامل توحيد للشعب الفلسطيني، إذ أنه في نفس اليوم، انتقلت الهبة وحميتها فوراً إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، لتشد من ازر الاهل في مناطق 1948، ولتؤكد وحدة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الأرض، حيث ارتقى الى العلا عدد من الشهداء، نذكر منهم: تمام ستيتية، من نابلس، وعلي عقلة من أبوديس، واحمد ذيب من سلفيت المقاومة.
رابعاً: في إطار الدروس اللاحقة لهبة يوم الأرض، يمكننا الجزم بأن المقاومة؛ شكلت عامل توحيد للشعب الفلسطيني، وأن التعلق بسراب التسوية شكل على الدوام عامل قسمة وتفريق، وقد لمسنا ذلك في كافة انتفاضات شعبنا، حين شاهدنا جماهير شعبنا في مناطق 1948، توفر الدعم المادي واللوجستي لانتفاضة الحجارة وتقدم الشهداء (15) شهيداً في حراكها الجماهيري المتضامن مع انتفاضة الأقصى.
النظام العربي يوفر غطاءً للاستيطان والتهويد
تحل الذكرى الخامسة والأربعين ليوم الأرض المجيد، في ظل ظروف فلسطينية وعربية ودولية بالغة التعقيد، وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي:
1- أن مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية؛ دخلت مرحلة غاية في الخطورة، جراء تساوق معظم أطراف النظام العربي الرسمي، مع صفقة القرن الأمريكية التي شرعت الاستيطان في الضفة الغربية بالضد من قرارات الشرعية الدولية، ما سهل وغطى إجراءات العدو الصهيوني، في خلق وخلق حقائق أمر واقع استيطانية على الأرض يستحيل معها قيام دولة فلسطينية على الأرض.
2- اندلاق دول الخليج- باستثناء الكويت- و السودان والمغرب للتطبيع مع العدو الصهيوني من موقع التبعية، بغطاء سياسي من جامعة الدول العربية.
3- أن القيادة المتنفذة في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لم تستفد من تجاربها مع العدو الصهيوني ومع الإدارة الأمريكية، إذ أنه وبعد مرور 29عاماً على اتفاقيات أوسلو وما تفرع عنها من اتفاقيات وخطط (اتفاق أوسلو 2، اتفاق الخليل، اتفاق واي ريفر، تفاهمات أنا بوليس، خطة كيري المتدحرجة، وصفقة القرن) لا زالت تتمسك بذات النهج الذي سهل مهمة العدو في الاستمرار في قضم الأرض والاستيطان، وفي استكمال تهويد القدس.
4– عدم تراجع الرئيس الأمريكي جوزف بايدن عن مفردات صفقة القرن خاصةً فيما يتعلق بالقدس، وحديثه مجدداً عن حل الدولتين لدفع السلطة للتمسك مجدداً باتفاقيات أوسلو التي شكلت غطاءً للتهويد والاستيطان. كما أن تهافت قيادة السلطة على المفاوضات، وتعلقها بأهدابها بعد وصول بايدن للسلطة، يأتي في الوقت الذي لم ينفك فيه العدوعن الاستمرار في مصادرة الأرض والاستيطان، وفي رفض حل الدولتين المزعوم، وفي تغيير المعادلة الديمغرافية والجغرافية في القدس لصالح اليهود.
أوسلو شكلت غطاءً للتهويد والاستيطان
في ذكرى يوم الأرض، لا بد من الإشارة إلى أن اتفاقيات أوسلو وما تفرع عنها لاحقاً شكلت غطاءً للتهويد والاستيطان، عندما رحلت قضيتي الاستيطان والقدس إلى مفاوضات الحل النهائي، دون أن تسندهما بقرارات الشرعية ذات الصلة التي تعتبر الاستيطان وضم القدس غير شرعي وباطل قانونياً. لقد قطع الاستيطان شوطاً كبيراً بغطاء أوسلو، وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي:
1- وفق تقرير مركز الأبحاث التابع لموقع عرب 48، فإن عدد المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، تضاعف من 144 مستوطنة قبل توقيع اتفاق أوسلو إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى أيلول/سبتمبر 2018. وهذا الرقم الكبير لعدد المستوطنات، يبدو وكأنه مختلف عن إحصاءات أخرى لعدد المستوطنات التي تحصرها بوجود 150 مستوطنة و128 بؤرة استيطانية و15 مستوطنة في مدينة القدس المحتلة، لكن الفرق الحقيقي بين الاحصائيتين؛ يكمن في وجود نقاط ومستوطنات عشوائية، ومستوطنات ذات طابع صناعي ، وقواعد عسكرية تفسر أن عدد المستوطنات وصل إلى 515 مستوطنة.
2- تضاعف عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 مستوطن اليوم؛ أكثر من نصفهم يعيشون في القدس ومحيطهاٍ.
ووفق تقرير مركز الأبحاث التابع لموقع عرب 48، فإن مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لصالح المشروع الاستيطاني، والتي كانت تبلغ مساحتها قبل اتفاق أوسلو حوالي 136000 دونما أصبحت حوالي 500000 دونم أي بزيادة قدرها حوالي 368% مقارنة ما كانت عليه.
ووفق تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان بتاريخ 26-1-12019، بلغ عدد المستوطنين في قلب أحياء القدس 3500 مستوطن بعد أن وضعوا أياديهم على منازل وعقارات الفلسطينيين بدعم من الاحتلال، وأن خطر الاجلاء القسري يتهدد (800) عائلة فلسطينية لصالح جمعيات استيطانية متطرفة، وأن المحاكم “الإسرائيلية” تنظر في قضايا رفعها مستوطنون ضد مئات العائلات الفلسطينية للمطالبة بإجلائهم عن منازلهم وتسليمها للمستوطنين، بذريعة ملكيتهم لها.
كما كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم”، بتاريخ 20 يناير ( كانونة ثاني) 2021، عن إحصائيات وصلت إليها، أن عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة (من دون القدس المحتلة) يصل إلى 476,033 مستوطنا يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية. وكان المبعوث الأممي للسلام السابق نيكولاي ميلادينوف، قد أعرب عن قلقة لإقامة (3500) وحدة أخرى ستقام معظمها في عمق الضفة الغربية.
3- أنجزت حكومة العدو جدار الضم والتهجير العنصري، البالغ طوله (780) كيلو متر تقريباً، وهذا الجدار، يتلوى في مناطق الضفة الغربية، بهدف ضم كل الكتل الاستيطانية للكيان الصهيوني، ويعزل الجدار (37) تجمعاً فلسطينياً يقطنها (300) ألف فلسطيني، من ضمنهم (50) ألف فلسطيني تم إخراجهم خارج بلدية القدس الصهيونية، ويحاصر (173) تجمعاً فلسطينيا يقطنها (850) ألف فلسطيني…
وكانت سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، قد صادرت مئات الآلاف من الدونمات في الضفة الغربية من أصحابها الفلسطينيين، لإقامة الجدار، حيث بلغت مساحة الأراضي الفلسطينية المعزولة، والمحاصرة بين الجدار وما يسمى بالخط الأخضر(باستثناء ذلك الجزء، من محافظة القدس، الذي ضمته عنوة حكومة العدو الصهيوني بعد احتلالها للضفة الغربية عام 1967) حوالي 555 كيلو متر مربع ( 555) ألف دونم، أي حوالي ما نسبته 9.8 في المائة من مساحة الضفة الغربية، في حين تبلغ المساحة الواقعة شرق الجدار والمحاطة بجدار جزئي أو كامل، حوالي 191 كيلو متر مربع، أي ما نسبته حوالي 3.4 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
4- أقامت سلطات الاحتلال، منطقة عازلة، على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، بعرض يزيد عن 1500 متر، وبطول 58 كيلو متر، ما يعني اقتطاع (87) كيلو متر مربع، من مساحة القطاع، وبهذا بات الاحتلال الصهيوني يسيطر على (24) في المئة، من مساحة القطاع البالغة (365) كيلومتر مربع.
5- استثمار حكومة العدو الصهيوني في الأوضاع العربية الناجمة عن أحداث “الربيع العربي” منذ عام 2011 – والذي تحول إلى خريف وشتاء أسود لاحقاً – واندلاق العديد من الدول العربية على التطبيع والتتبيع للعدو الصهيوني، وارتهان الجامعة العربية لدول الخليج، بمصادرة وابتلاع مساحات واسعة في الضفة الغربية وفي محيط مدينة القدس، خاصةً وأن هذه الدول مندغمة في “صفقة القرن” التي وفرت الدعم والغطاء السياسي للاستيطان في الأراضي المحتلة.
6-إعلان حكومة العدو الصهيوني برئاسة نتنياهو في سبتمبر (أيلول) 2019 عن قرارها بضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت بغطاء من صفقة القرن، والذي تم تجميده مؤقتاً لظروف تتصل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وتمتد منطقة الأغوار وشماليي البحر الميت على مساحة 1.6 مليون دونم بمحاذاة الحدود الأردنية وتشكل ما يقارب (30) في المئة من مساحة الضفة الغربية.
خلاصةً: فإن الكيان الصهيوني وفق مختلف الإحصاءات، بات يضع يده على حوالي (52) في المائة من مساحة الضفة الغربية بشكل مباشر، تشمل المستوطنات والمستوطنات العشوائية، والبؤر الاستيطانية، والقواعد العسكرية المقامة على أراضي الضفة، والمناطق العسكرية المغلقة، والمناطق الخضراء، وشبكات الطرق الالتفافية للمستوطنات، والأراضي المصادرة لإقامة الجدار.
يضاف إلى ذلك، أن سلطات الاحتلال بسطت سيطرتها على 68% من مساحة المنطقة “ج” في الضفة لمصلحة المستوطنات، وهي المنطقة التي تضم 87% من موارد الضفة الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها
حقائق لا يمكن تجاهلها
إن المتأمل للوحة الصراع بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتوقف أمام الحقائق التالية:
أولاً: أن النظام العربي الرسمي، بما فيه م.ت.ف، ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو وصولاً الى تفاهمات أنابوليس، والمفاوضات التي تلتها، وحتى اللحظة، وفر الغطاء السياسي، للعدو الصهيوني، في مصادرته للأرض والاستيطان من خلال إشاعة الوهم أمام المجتمع الدولي، بوجود إمكانية عبر المفاوضات التي تمت وتتم، لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل، وبما يضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة، مما سهل مهمة العدو الصهيوني في فرض الوقائع الجديدة على الأرض، من استيطان وجدار وتهويد للقدس، وتحويل الضفة الغربية الى مجرد كانتونات معزولة، أشبه ما تكون بالجبنة السويسرية التي تملأها الثقوب.
ثانياً: هنالك علاقة طردية بين تهافت النظام العربي الرسمي، ومن ضمنه السلطة الفلسطينية على عملية (السلام)، وبين تعاظم شهية الاحتلال في قضم الأراضي والاستيطان والامعان في الممارسات القمعية والاحتلالية. فبعد الإعلان عن مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002، قام العدو الصهيوني بارتكاب مجزرة مخيم جنين، وبإعادة احتلال الضفة الغربية وبوضع حجر الأساس لجدار الضم والتهجير العنصري.
وبعد تأكيد قمة الجزائر عام 2005، على المبادرة العربية، رد شارون على المبادرة مباشرة، بإعلانه رفض تجميد توسيع المستوطنات الصهيونية وإعلانه عن خطة لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس لتضم 3500 وحدة استيطانية جديدة، وبعد تأكيد قمة الرياض عام 20007، مجدداً على المبادرة العربية (للسلام) وانتدابها وزراء خارجية عرب، ترتبط دولهم بمعاهدات مع “إسرائيل” لزيارتها لشرح المبادرة، رد وزير حرب العدو على هذه الزيارة، بقوله: أن هذا العام عام حرب وأن الاستيطان لن يتوقف.
وبغطاء من اجتماع أنابوليس وتفاهماته، في 27/12/2007، تمت مضاعفة الاستيطان، حيث تضاعف (14) مرة بعد أنابوليس عما قبله، وذلك على حد تعبير رئيس م. ت. ف، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) في خطابه أمام مؤتمر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ عام 2008.
وعشية قمة الدوحة 26/2/ 2009، أعلنت حكومة العدو، عن البدء في مسح منطقة (اي-1) في المنطقة الفاصلة بين مستوطنة معاليه أدوميم، وبين والقدس، توطئة لبناء وحدات استيطانية، وإقامة فنادق، ومشاريع تشغيلية ومناطق تجارية، بما يحقق الفصل الكامل، ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، كما أرسلت حكومة العدو في حينه، اشعارات بهدم 1500 منزل في القدس توطئة لهدم 8000 منزل عربي في غضون عامين.
وبعد إعلان وزراء الخارجية العرب، في الثاني من شهر آذار 2010، عن منح تفويض لرئيس السلطة الفلسطينية، بالولوج في مفاوضات غير مباشرة نزولاً عند المشيئة الأمريكية، لاختبار نوايا رئيس حكومة العدو نتنياهو بشان وقف الاستيطان، ردت حكومة العدو على هذا التفويض – وأثناء وجود نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدين في تل أبيب- بالإعلان عن خطة لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية.
وعشية مؤتمر القمة العربية في سرت في آذار 2010، رد نتنياهو على مطلب أوباما بتجميد الاستيطان لفترة مؤقته بقوله: أن الاستيطان مشروع لنا في القدس كما في تل أبيب.
وعشية توقيع اتفاقيات التطبيع الابراهيمية بين الكيان الصهيوني وبين كل من الامارات والبحرين والسودان والمغرب ، عامي 2020 و 2021 أعلن نتنياهو عن ضم منطقة الغور للكيان الصهيوني الذي يشكل ربع مساحة الضفة الغربية ، وترجمة لقرار الضم تواصل قوات الاحتلال هدم المنازل في الغور ،وحرمان المزارعين من الحصول عل مصادر المياه لتهجيرهم من أراضيهم.
وبغطاء من اتفاقيات التطبيع يتم توسعة المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وفي محيط القدس ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية ، حيث صادقت سلطات الاحتلال الصهيوني في الخامس من كانون ثاني (يناير) 2022، على بناء 3557 وحدة استيطانية.
وحسب “منظمة السلام الآن”، فإن إحدى خطط البناء تتعلق ببناء وحدات استيطانية جديدة بين “هار حوما” و”جفعات هاماتوس”، ومخطط آخر على حافة التلة الفرنسية.
وبينت أنه سيتم بناء 1465 وحدة استيطانية جديدة في حي جديد قرب “جفعات هاماتوس” و”هار حوما”، وذلك للربط بينهما، وبما يقطع الاتصال بين الأحياء الفلسطينية شرق القدس، وبيت لحم، فيما سيتم بناء 2092 وحدة أخرى على أطراف التلة الفرنسية ويقع معظمها خارج الخط الأخضر.
ثالثاً: أن اللجنة الرباعية الدولية التي يطالب رئيس السلطة محمود عباس بإحيائها، متواطئة مع الاحتلال في قضايا الاستيطان وتهويد القدس، بحكم أن مقودها بيد الإدارة الأمريكية.
ولإنعاش ذاكرة قيادة السلطة الفلسطينية، نذكرها بأن “الرباعية الدولية” لم تتوقف عامي 2003 و 2004، عن مطالبة السلطة الفلسطينية بالوفاء بالالتزامات المترتبة عليها في خطة خارطة الطريق، ممثلةً بوقف المقاومة “العنف”، في حين أنها لم تتخذ أي إجراء؛ حيال عدم التزام الكيان الصهيوني بما هو مترتب عليه، وفقاً لخطة خارطة الطريق “بوقف الاستيطان”.
وفي الوقت الذي التزمت فيه السلطة بمنع المقاومة المسلحة وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال التزاماً منها بخطة خارطة الطريق، لم تلتزم حكومة العدو بما هو مطلوب منها بوقف عمليات الاستيطان.
مهام مركزية للمرحلة الراهنة
ما تقدم يستدعي من فصائل المقاومة أن تضع على رأس جدول أعمالها جملة من المهام أبرزها:
1-العمل على تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية ( الانتفاضة) وتوفير مستلزمات إدامتها، في ضوء المواجهات اليومية مع الاحتلال على امتداد مساحة الضفة الفلسطينية ،خاصة في بيتا وجنين وبرقة ومخيمات بلاطة وقلنديا والدهيشة وغيرها من المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية ، إذ أن تأخير تشكيلها ، بات يطرح علامات استفهام بشأن ارتهان بعض الفصائل لقرار قيادة السلطة الفلسطينية بهذا الشأن.
2- ضرورة أن يكون لشعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948موقعاً مركزيا في المعادلة الفلسطينية على الصعيدين السياسي والتنظيمي ، بعد الدور النضالي الكبير الذي مارسه أبناء شعبنا في مناطق 1948 إبان معركة سيف القدس .
ولا بد هنا من تثمين الخطوة التي أقدمت عليها القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في 12-3-2022 ، ممثلةً بتشكيل إطار تنظيمي يحمل اسم “الهيئة الوطنية لدعم وإسناد فلسطينيي الداخل” الذين يتعرضون لهجمات إسرائيلية متكررة ، خطوة يمكن البناء عليها لاحقاً على الصعيدين السياسي والتنظيمي .
3- العمل على إسقاط نهج أوسلو والتنسيق الأمني ميدانيا ، والتوقف عن مناشدة قيادة السلطة بمغادرة هذا النهج ، بعد أن تبين عل مدى 29 عاماً إصرارها على هذا النهج ارتباطاً بمصالح طبقية ضيقة مع الاحتلال، على حساب الخيار الوطني.
4- التصدي لرموز قيادة السلطة التي غابت عن مشهد المقاومة التاريخي إبان معركة سيف القدس ، وباتت بعد وقف إطلاق النار تشكك في إنجازات المقاومة، وتداري خيبتها عبر العودة إلى خيبتها الأولى بالدعوة لإعادة الاعتبار لمسار ” السلام ” مستفيدةً من النجدة التي أعلنها بايدن اليوم بطرحه ( أولاً) أكذوبة ” حل الدولتين ” التي تجاوزتها الانتفاضة الفلسطينية ( وثانياً) مطالبته الشعب الفلسطيني بالاعتراف بقيادة أبو مازن لهم.
5- ضرورة البناء على مخرجات معركة سيف القدس التي ضربت الكيان الصهيوني في مقتل، عبر تشكيل جبهة وطنية عريضة من فصائل المقاومة ومن القوى المجتمعية التي ترفض نهج التسوية ،وتؤكد على خيار المقاومة سبيلاً وحيداً لدحر الاحتلال ، وذلك بعد رفض قيادتي المنظمة والسلطة إعادة بنائها على أسس وطنية وديمقراطية وفق برنامج المقاومة ، وبعد أن حول رئيس السلطة منظمة التحرير إلى مجرد دائرة من دوائر السلطة الفلسطينية.
فقيادة المنظمة لن تسمح بإعادة بنائها وفق انتخابات المجلس الوطني ، إلا إذا ضمنت بأن مخرجات الانتخابات لصالحها بما يمكنها من الاستمرار في ذات النهج الأوسلوي ، وفي الذاكرة كيف عمل رئيس السلطة بإلغاء الانتخابات في أيار ( مايو) الماضي بذريعة رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس ، بعد أن تيقن أن مخرجات الانتخابات لن تكون في مصلحته ، جراء تشكيل القائد الأسير مروان البرغوثي قائمة مشتركة مع ناصر القدوة تحت مسمى ” الحرية” ومستقلة عن قائمة لجنة فتح المركزية.
6- أن تعلن فصائل المقاومة أنها جزء لا يتجزأ من محور المقاومة ، الذي وفر لها سبل الصمود والانتصارات في كافة المواجهات مع الاحتلال ، ومدها بالأسلحة الصاروخية وتقنياتها .