كثير من الكلمات والمصطلحات في اللغة العربية ذات معنى جميل ومدلول عميق ولكن ومع استخدامها في غير موضعها أو إساءة البعض لاستخدامها يلصق بها صورة نمطية ومدلول قبيح منافي تمامًا لمعناها الأصلي.
من هذه الكلمات “المظلومة” مجتمعيًا وربما إقليميًا ودوليًا كلمة “تنظيم”؛ التي ترتبط -يجب- بكل ما هو منظم ويعكس صورة توافقية بين مجموعة من الناس ويعبر عن مشروع ورؤية جمعت هؤلاء الناس وتكاد تنطق بإيجابية الفئة المنظمة ومدى تشبعها بالإرادة الحقيقية والعزيمة الصادقة نحو التغيير والعمل بجد لتحقيق ما تم التوافق عليه، من جهة أخرى فإن غياب التنظيم يعكس حالة فوضى وتشتت واختلاف وضبابية وغياب للمشروع الجمعي واستشراء للفردية واقصاء الآخر وبيئة خصبة للفساد وغياب الحاكمية.
ان الاستخدام السيء لكلمة “تنظيم” من قبل البعض لطخ هذه الكلمة بالدماء واحاطها بهالة من الخوف والهلع والارتباط بالأجندات الخارجية؛ مما شكّل صورة نمطية مشوهة عند إطلاق مصطلح “تنظيم”.
الحكومات بطبيعة الحال ليست بريئة من ترسيخ هذه الصورة النمطية المشوهة من خلال الممارسات القمعية وملاحقة العمل المنظّم وعلى وجه الخصوص الحزبي وتخوين من “ينتظمون” فيها وتصوريهم على أنهم خطر على أمن الوطن، فنشأت أجيال تعاني من رهاب التنظيم وتجزع من مجرد ذكره وتخشى أن يتم وصمها بالخيانة أو القدح بوطنيتها بمجرد أنها تسعى لتكوين أي شكل من أشكال التنظيم.
ان التنظيم النقابي هو أحد ضحايا هذا التشويه الممنهج الذي طال كل ما هو منظّم وساهم في ابتعاد العمال عن النقابات العمالية والاكتفاء بالنظر اليها من بعيد نظرة شك وريبة، وأنتج أيضًا فئة حولت هذه الحالة الى تجارة؛ فعززت عند العمال هذه المخاوف وعظمت “البعبع” الذي بداخلهم من كلمة تنظيم وسوقت نفسها أيضًا لدى الحكومات على أنها الحامي الأمين للنقابات العمالية من المطالبين بحرية التنظيم النقابي.
لقد آن الأوان لإعادة إحياء التنظيم النقابي الحر وهدم كل الخزعبلات والأكاذيب التي يروج لها “تجار وحرامية النقابات”، وآن الأوان للعمال أن يدركوا حقهم وحاجتهم الى تنظيمات نقابية عمالية حرة يتوافقون هم كعمال على أنظمتها الداخلية ويتداولون فيما بينهم قيادتها بشكل ديمقراطي حر ويوظفون القوة الكامنة لديهم كعمال للدفاع عن حقوقهم المسلوبة وإيقاف شلال الانتهاكات في حقهم بل ويمارسوا دورهم في تنمية بلدهم ويساهموا في حل مشاكل البطالة والفقر والانتقال الآمن نحو مستقبل العمل.