رغم استمرار التشكيك عند بعض القوى والأفراد، إلا أن معركة “طوفان الأقصى”، قد أثبتت رسوخ محور المقاومة كحقيقة قائمة، مع تماسك أطرافه، واستمرار إسناد حماس والمقاومة ماديا وتسليحيا وسياسيا.
لقد تم في السابق وقوع 4 اعتداءات إسرائيلية كبرى على غزة، دون تدخل مباشر من قبل أطراف هذا المحور، ولكن بدا العدوان الخامس مختلفا، ولاحظنا بأنه مع تأجيج مستوى العنف والمذابح ضد غزة، أصبحت هناك إمكانية جدية مباشرة بالدخول في المعركة ميدانيا بشكل مباشر وغير مباشر، وصلت إلى حدود الاصطدام المسلح مع الإسرائيلي والأمريكي حسب مقتضيات الميدان، وتقديرات أطراف المحور بما فيه الطرف الفلسطيني.
وقد بدا واضحا، بأن مستوى العلاقات بين أقطاب المحور، وحجم الشراكة القائمة بين أطرافه، ووحدة الأهداف المعلنة، جعلت الجمهور يتوقع التدخل ويطالب به، كما كان من الصعب على أطراف هذا المحور، وخاصة لحزب الله أن يعززوا مصداقيتهم، وانسجامهم مع تطلعات حواضنهم، دون الدخول المباشر في العمليات العسكرية، والتأكيد على متانة مواقفهم في تحالفهم مع الحالة الفلسطينية، خاصة وأنهم يقدمون أنفسهم كحلفاء لحماس والنضال الفلسطيني، وقد عزز من ذلك الموقف المعلن لقائد الحزب، والذي نوه فيه بوحدة الساحات، وأكد من خلاله بأن المحور لن يسمح بكسر غزة أو هزيمة حماس.
في هذه المرحلة علينا فهم طبيعة هذا المحور بشكل موضوعي ودقيق، وكونه يتشكل من حزب الله في لبنان وسورية وايران والمقاومة الفلسطينية -رغم خصوصية ظرفها- والحشد الشعبي في العراق، ومؤخرا أنصار الله في اليمن، وأثبتت الأحداث منذ أكثر من عقدين، بأن هناك توزيع أدوار وتعاون كبير بين اطراف هذا المحور حسب طبيعة وضرورات المعركة، ورغم أن إيران هي الطرف الأقوى في المحور على أكثر من صعيد، إلا أن هذا لا يعني بأن أطرافه تعمل بإيعاز منها، أو لصالحها.
وهكذا، رغم التعاون الكبير بين أطرافه، وتشارك الجميع في الرؤية السياسية العامة، وعدائهم للمخطط الأمريكي الصهيوني، إلا أن لكل طرف من المحور استقلاليته وأجنداته وأولوياته الخاصة.
وعندما دخل حزب الله في صراع كبير مع اسرائيل في العام 2006، لم تتدخل حماس، ولم تُفتح النار من سورية أو إيران بشكل مباشر، فظهر بأن حزب الله ببساطة هو حليف، وله قراءاته ومعطياته الخاصة، ولكنه ليس أداة بيد أحد.
لكل معركة ديناميكياتها وضروراتها الخاصة، واستطاعت أطراف هذا المحور في معركة طوفان الأقصى المستمرة، أن تؤكد بأن التعاون والتشاركية بين أطرافه حقيقي وجاد، وتتوزع أدواره بشكل مرن بما يتناسب مع الإمكانيات والظروف الذاتية والموضوعية لكل طرف. ورغم تغييب الطرف الإيراني عن الفعل الميداني المباشر، إلا أن المكون العروبي في المحور، قد أثبت حضوره وفعاليته وأرسل رسائل قوية بأنه رغم تواطؤ النظام الرسمي العربي، ومحاصرة القطاع، لا يمكن عزل غزة لا عسكريا ولا سياسيا، وأن جبهات المشاغلة تستطيع أن تتحول بسرعة إلى مقاتلة فاعلة تمتد لآلاف الكيلومترات، ومئات الآلاف من المقاتلين، وأن ميزان القوى التسليحي والتعبوي الفعلي للمحور مؤثر وبجهوزية عالية، والأهم؛ أن الفعل التعبوي للجماهيري العربية يسير في هذا الاتجاه.