أوصت لجنة تطوير القطاع العام، وهي بالمناسبة لجنة يرأسها رئيس الوزراء ومعه عدد من وزراءه وبعض الشخصيات التي تقوم الحكومة بتنسيبها، بإلغاء بعض الوزرات ومن بينها وزارة العمل….
من الواضح أن هذه اللجان التي تتشكل بقرارات فوقية، هي جهات مفصولة عن الواقع، وأجزم بأنها ومن خلال آليات تشكيلها، بأنها لا تقرأ الواقع المعاش بشكل صحيح، وتبني سياساتها برؤية طبقية وبطرق بيروقراطية ودون الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات على العملي والاجتماعي لهذه القرارات.
إن أي متابع لسياسات الحكومات المتعاقبة يخرج بنتيجة، مفادها بأننا أمام حكومات، يمكن إطلاق أي وصف عليها باستثناء أنها حكومة بالمفهوم المتعارف عليه في عمل الحكومات ومهمتها، فعضوية هذه الحكومات في أحسن أحوالها موظفين، نعم موظفين وفي أحسن الأحوال هي أداة في خدمة مصالح طبقية.
فوزارات العمل في معظم دول العالم، هي المسؤولة عن الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية، وتعمل للحفاظ على التوازن بين العمال وأصحاب العمل.
وأن وزارت العمل في العديد من دول العالم وظيفتها تحسين وتجويد شروط العمل، وهي المسؤولة المباشرة عن معايير الأجور وساعات العمل، ومراقبة مؤشر البطالة، وتعمل لخلق فرص عمل جديدة، ومتابعة ظروف العمل، وهي بهذا الفهم، وزارة أكبر إدارة للخدمة العامة.
بهذا الفهم العام فوزارة العمل، وزارة ليست هامشية لأنها تعنى بالأمن الاجتماعي الذي في تقديري لا يمكن فصله عن الأمن الوطني.
في الأردن انشئت وزارة العمل لمسألتين مركزتين المسالة الاجتماعية والمسالة العمالية.
إذا بعد كل ما ذكر، تقوم لجنة بتقديري غير معنية بقراءة لإشكاليات الواقع المعاش، وتحديدًا انها غير معنية بوضع حلول للمعضلات المتفاقمة وخطورتها، وفيما يتعلق بارتفاع غير عادي بنسب البطالة والفقر والتي وصلت لـ 25٪، وفقر وباعتراف الحكومة بأن نسبته وصلت إلى 27٪، مع العلم أن هناك أرقام غير حكومية تتحدث عن أرقام أعلى بكثير مما هو وارد في البيانات الحكومية”.
والأخطر هو عنوان البطالة في أوساط الشباب وخريجي الجامعات، والتي تصل الى أرقام مرعبة تتجاوز 50٪.
ان مثل هذه التوصيات والتي هي باعتقادي بانها تسير باتجاه القوننة، والا ماذا يعني ان يصرح رئيس لجنة العمل في مجلس النواب، بأنه يؤيد الغاء وزارة العمل.
وحكومة تسوق وتتحدث عن الفوائد من “انجاز” الغاء هذه الوزارة وتضع فترة زمنية ما بين عامي 2022_2024، بل وابعد من ذلك فهي تحدد توزيع مهامها على وزرات، الداخلية، التجارة والصناعة والتموين، التربية، الموارد البشرية، كذلك تؤكد، اي الحكومة على الغاء مؤسسة التدريب المهني ونقل مهامها الى وزارتي التربية وتنمية الموارد البشرية.
وهنا يتبادر للذهن سؤال، وهو يجب ان يكون برسم الإجابة سواء من “عباقرة التطوير” أو من حكومة الافقار، والتي لا هم لها الا تنفيذ رغبات واملاءات الصندوق والبنك الدوليين،
هل تطوير القطاع العام لا يتم الا بإلغاء وزارة العمل!! ودمج بعض الوزارات، ام ان هناك حلول أخرى؟
ان تطوير القطاع العام لا يمكن يكون بإلغاء وزارة العمل ودمج بعض الوزارات، وانما بالوقوف امام حالة الترهل والتخبط والفساد المالي والإداري المستشري في مؤسسات الدولة ووقف العبث بمقدرات البلاد والتصدي للعابثين بها، وليس فقط بإلغاء هذه الوزارة او تلك، بل بمستقبل الأجيال، وذلك يكون من خلال إعادة صياغة منظومة تعيد للقطاع العام دوره التنموي، والذي كان لفترات زمنية يشكل اكبر رب عمل، وحافظ على الطبقة الوسطى، وما تمثله هذه الطبقة من توازن واستقرار مجتمعي، كل ذلك تم بفضل سياسة التكيف الهيكلي المفروضة بوصفات بل بإملاءات الصندوق والبنك الدوليين، وما يمثله ذلك من ارتهان ومزيدًا من التبعية لهذه المؤسسات وللجهات التي تقف خلفها.
لقد مثل القطاع العام تاريخيًا رافدًا أساسيا لخزينة الدولة، وقلل من نسب البطالة، وشكل عنوانا للاستقرار الاجتماعي.
وإذا كان لتوصيات اللجنة العتيدة بان تضع يدها على الخلل الذي يعيق التطوير، فكان من الأولى بها ان تعيد النظر بدور الهيئات المستقلة، التي شكلت وما زالت تشكل عبئ حقيقي على الموازنة، وذلك من خلال الديون العالية المترتبة على هذه الهيئات والتي باتت وظيفة معظمها التنفيع لبعض المتنفذين.
والمضحك والمبكي في ان معا، ان بعض هذه الهيئات المستقلة (سلطة المصادر الطبيعية) والتي اثبتت كفاءة وفعالية عالية وبدون الرواتب الفلكية التي يتقاضاها نظرائهم في مؤسسات أخرى، مع العلم انها كمؤسسة قدمت دراسات ذات قيمة وخرجت كفاءات وطنية، ورغم ذلك تم شطبها، وربما تم ذلك تحت عنوان تطوير “القطاع العام”.
وهنا يأتي سؤال المليون، هل الوزرات التي سيتم نقل مهام وزارة العمل اليها، اقل بيروقراطية واكثر حيوية من الوزارات التي ينوي حلها؟
ام ان هذه الوزرات ستعاني من ترهل اداري اضافي نتيجة الكادر الذي سيلتحق بها نتيجة الفك والتركيب!!
ومن باب العلم بالشيء ولمعرفة ان القضية لا علاقة بالتطوير الإداري ولا بالإنجاز الذي تتحدث عنه الحكومة، فوزارة العمل تضم (19) مديرية ووحدة في الوزارة وحدها، و(19) مديرية في الميدان، بالإضافة الى (12) مكتب يمارس اعمال المديرية، وعدد العاملين في هذه الوزارة يتجاوز (700) موظف.
وسؤالي في حال توزيعهم على الوزارات ماهي الفائدة المرجوة وماهي اليات القياس للتطوير الذي سيحصل نتيجة هذا الدمج؟ وهل سيمارسون نفس المهام ام سيكون لهم مهام أخرى؟
ان هذه الإجراءات الحكومية لا تنم ليس عن تخبط فقط، وانما تستند الي برنامج منهجي، هو ترك العمال لمصيرهم ولاستغلال راس المال ولأصحاب العمل، وضرب للمنظومة التي استند عليها قانون العمل الأردني تاريخيا وهي المعادلة المبنية على الثلاثي، العامل، صاحب العمل والحكومة.
ان هذه التوصيات القادمة من جهة شبه حكومية وقد تكون موجهة وقرارتها معدة مسبقًا من قبل الحكومة نفسها هي توطئة لتخلي الدولة عن التزاماتها اتجاه مواطنيها.
ان أي متابع لسياسات الحكومات المتعاقبة يخلص لنتيجة مفادها ان ما تبقى من مؤسسات منتجة وبغض النظر عن ملاحظة هنا اوهناك على أدائها، باتت موضوعة على الطاولة من اجل شطبها.
ان توصيات لجنة تطوير القطاع العام يجب ان تقرأ في إطار ضرب “ما تبقى لكم” من هذا القطاع العام، وعليه فان المطلوب من الأحزاب السياسية الفاعلة والنقابات العمالية والمهنية والقانونين وأصحاب الفكر والإعلاميين، وكل المعنين بالهم الوطني التصدي لهذه السياسات الحكومية المدمرة.