هذا المخيم الصغير مساحة المليء بالكرامه والعزه والشهداء.. جارنا الذي رحل من حيفا، وسكن في الأرض المجاوره لطولكرم؛ شرقيها في الجهة المقابله ل”بيارة دار حمدالله”، ويبعد عن عنبتا بضع كيلومترات غربا.
يستقبلنا قبل دخول طولكرم بحفاوه حين كنا نذهب للتسوق، أو مراجعة أحدى الدوائر الحكوميه، أو طلابا ندرس في المدرسه الفاضليه الثانويه، وكنا نحن وأبناء هذا المخيم والمخيم الآخر المسمى “مخيم طولكرم” ندرس هناك معا.
هذان المخيمان اللذان كتب روايتهما المبدع “وليد سيف” إبن قرية ذنابه المجاوره، في المسلسل العبقري “التغريبه الفلسطينيه” والذي لم يصنع لا قبله ولا بعده مسلسلا واقعيا يقدم القضيه بهذا الصدق والحقيقيه التاريخيه.
مخيم نور الشمس كما كل المخيمات التي أنجبت أعدادا كبيره من المبدعين في شتى الحقول حيثما وجدت في أرض بلاد الشام..
نورالشمس (بكسر الميم) كما إعتدنا لفظها تأسس عام 1951 لأبناء قرى حيفا الذين هجرتهم الغزوه الصهيونيه عام 1948 وكانت بدايتهم في اللجوء منطقة جنين ولا أدري سبب نقلهم ولا بأس فقد باتوا أقرب لفلسطين وحيفا وقراهم مثل؛ قنير وصبارين وأم الزينات وإجزم وإم خالد وغيرها الكثير.. وصار بيننا وبينهم صداقات ونسب ومصاهره.
في بداياته كانت بيوت المخيم تتشكل من الخيم أو الصفيح (الزينكو)، وشوارعه ترابيه كونه أقيم فوق أراض زراعيه وتربة حمراء، وكان أهله حين شردوا فقراء لا يملكون من حطام الدنيا شيئا يقيهم غائلة الجوع والحاجه، فأصبح المخيم خزانا من العاملين والعاملات في الزراعه وغيرها. لم يركنوا إلى ظروفهم، فشمروا عن سواعدهم وبدؤا حياتهم الجديده ليعيشوا بكرامه، وعيونهم على فلسطين حيث أرضهم وقراهم وبيوتهم ومزارعهم يحلمون بالعوده لها، وبينهم وبينها سياج حقير وضعته الأمم المتحده الشريكه في تشريدهم.
إني إخترتك يا وطني.. حبا وطواعيه.. إني إخترتك ياوطني.. سرا وعلانيه.. القصيده هذه كتبها في بيروت إبن المخيم المناضل “على فوده” إبن قرية قنير الذي إستشهد في بيروت وهو يوزع جريدته المسماه “الرصيف” على قواعد الفدائيين، حين أصابته شظية صهيونية عند الإجتياح… وغناها الرائع مارسيل خليفه، فخلدته وخلدها كواحده من أيقونات الغناء الملتزم.
المخيم كان شعلة نضال في الإنتفاضة الأولى وقدم خلالها العديد من الشهداء والجرحى وصمد في وجه الغزاه وهاهو اليوم يواصل نضاله ويقدم قوافل جديدة من الشهداء و الجرحى، يتحدى الحقد الصهيوني البشع على البشر والبنية التحتية للمخيم، حيث عمد إلى هدم البيوت وتجريف الشوارع في سلوك همجي يعشق الدمار والخراب وأحال المخيم إلى حطام حين عجز عن إسكات المقاومة، فسقط بالأمس دفاعا عنه 14 شهيدا في يوم واحد فطوبى للشهداء وطوبى للأرض التي أنجبتهم وتستمر المسيره.