نعم.. يمكن هزيمة “إسرائيل”..!!

د.موسى العزب
5 دقيقة وقت القراءة
photo 2025 01 19 14 53 47

لخّص كاتب إيرلندي طبيعة اللحظة الآنية؛ “بأن غزة حققت صمودا إسطوريا باهرا، وأثبت الشعب الفلسطيني إمتلاكه إرادة ثابتة بالتمسك بوطنه، وإنكشف الوجه الحقيقي القبيح للصهيونية.. وأن إتفاق التبادل قد تم تثبيته من موقع الإخفاق الإسرائيلي، وموقع الندية والتفوق الوجداني والأخلاقي للإنسان الفلسطيني”.

يتفق مع هذا التشخيص الكثيرون من شرفاء العالم وأحراره، وأن فلسطين في حقبتنا الزمنية هذه، تشكل نقطة الإشتباك المركزي بين قوى الحرية والتحرر العالمي، في مواجهة قوى المنظومة الصهيونية الإمبريالية.

صباح الخير يا غزة العفيفة الكريمة البطلة.. يحق لك أن تفرحي وتفخري اليوم عندما تشرق شمسك دون ان تسمعي اصوات القذائف وهدير الطائرات، وأنت تحتضنين أطفالك الجميلين دون جوع أو برد أو خوف، دون فقدان جديد للأم والأب والأخ، دون ويلات حرب همجية دموية لم ترحم لا شيخ ولا طفل، ولا عامل ولا ممرض ولا طبيب، لا صحفي ولا مبدع، وأنت تحيطين بمقاومتك الفذة، كما أحتضنتيها في ساحات النزال.
الحرب التي أوجعتك يا غزة أوجعتنا أيضا، كما آلمت كل أحرار العالم، ولكننا لم نجد أحق منك يا غزة بجدوى الحياة، والنهوض من بين الأنقاض، تكفكفي الدمع، وتداوي الجراح، وتنطلقي إلى تحدي أسطوري جديد.

بصمودك يا غزة، رفعت راية الحياة ضد الموت، وراية الإنسان ضد الهمجية والخراب. أنت يا غزة الجبارة غيرتينا وغيرت العالم إلى الأبد، كشفت مدى قوة الإنسان الحر أمام هشاشة أسلحة الدمار والكراهية، ووضعت الصهيوني في المكان الذي يستحقه؛ مطاردا من قبل العدالة، ومنبوذا من قبل البشرية.. انت من كشف عن معادن الناس والدول. ووزعت إنتصارك بسخاء بين الأمم والشعوب الوفية. ناديت فلبى نداء العزة والكرامة رجال سيد الشهداء من الجنوب اللبناني والضاحية، وشجعان اليمن والعراق وسوريا، دون أن تنسي جنوب أفريقيا وايران، وكل صيحات الشعوب الحرة والحناجر التي انطلقت من ساحات وجامعات العالم تطالب بوقف حرب الاباده والفناء، إنتصارا لإرادة الشعوب.

نقف الآن أمام حالة فخورة وروح عظيمة، ولكننا نقف أيضا أمام كارثة إنسانية عميقة ومؤلمة لشعب أثبت أنه الأعظم في العصر الحديث، يتطلع إلى فرصتة الكبرى لصياغة مستقبله بصلابة ووعي.
إنه اليوم الثاني “للهدنة”، وغزة كعادتها تنهض بواجباتها، ولكن علينا نحن أن نحدد بوضوح ما هو دورنا بالمعنى الفردي والجماعي، وما هي مسؤوليتنا الشخصية تجاه غزة وأهلها في المرحلة القريبة المقبلة، هذا النداء الملح أهم بكثير من نقاش درجات النصر والهزيمة.

صفقة التبادل ستكون أكبر عملية إنقاذ نوعية وجماعية للأسيرات والأسرى منذ أربعة عقود، كما أن وقف إطلاق النار سيسمح لشعبنا البطل بإلتقاط أنفاسه، وإعادة ترميم قواه والتحضير لجولات أخرى..و7 وأكتوبر 2023 أيقظ قضية فلسطين في ضمير البشرية، وتكرس كمحطة مفصلية في تاريخ طويل من الصراع حتى التحرير.

لسنا بموقع إعطاء الدروس لغزة، لأن غزة ليست ركام ورماد، بل نفوس أبية، وروح خلاقة تنبض محبة وكرامة وإصرار، تلملم جراحها وتوحد صفوفها وتشعل قناديلها لتنير طريق التحرير والعودة والميلاد الجديد، هكذا فعلت فيتنام والجزائر وجنوب أفريقا وكل الشعوب الحرة، وغزة الشجاعة التي نجحت بإمتحان الصمود والمقاومة من المسافة صفر، ستكتب فصلا آخر من أمجادها، وستنجح في مشروع الوحدة والبناء على مدى الأفق والفعل الإنساني.

في هذه المرحلة الإنتقالية الفارقة في تاريخ غزة وكل فلسطين، عدونا لن يتوقف عن عدوانه، وإن إستبدل أساليبه، وعلينا الوقوف بصرامة في وجه المشككين ولصوص الإنجاز ومحاولي لجم عنفوان المقاومين.. كما أننا سنكون أمام المراجعات الموضوعية العلمية لعموم الحدث بقصد الوصول إلى إستخلاصات تستكمل الفعل المقاوم الذي أفشل خطط الأعداء، وأسقط مشروعهم، لنبني عليه ونعلي من مداميكه. فشعبنا عانى وضحى في هذه المنازلة، ولكنه لم يهزم.

إكراما للدماء التي سالت، والتضحيات الجسام التي قُدمت على طريق الحرية والتحرير، على الجميع التعامل بكل المسؤولية والوفاء لشعبنا الذي صمد وهزم مشروع معسكر القوى المعادية ورده خائبا.. وينهض الآن ليحويل المكتسبات العسكرية والمعنوية إلى مكتسبات سياسية.

رغم كل العقبات والمعيقات علينا محاولة إنهاء الإنقسام وفرض بناء وحدة وطنية كفاحية، تستطيع لم الشمل الفلسطيني الوطني والإستجابة للتحديات والعقبات القادمة. والعمل لتشكيل حتى ولو حد أدنى من أطر الوحدة الفلسطينية على قاعدة تفاهم بكين والإتفاقيات التي سبقته، يمكنه أن يفضي إلى حكومة خبراء سياسية تقنية تدير الحالة الفلسطينية كلها ريثما نرتقي بحالة وحدوية أكثر تقدما!

حكومة تطرح مشروعا فلسطينيا جامعا يعالج عناوين الملفات الملحة مثل عودة النازحين، وتنظيم الإغاثة، وتعويض ما يمكن من الخسائر، وإعادة الإعمار، وعودة الحياة.

مشروع يحظى بدعم عربي ودولي، يقدم فلسطين كعنوان واحد موحد لا يستطيع أحد تجاوزه، يمثل فلسطين ولا يبقي للأعداء أي حجة بإستمرار الأذى، ومواصلة العدوان!!

وتبقى الضمانة الأهم هي صمود الشعب الفلسطيني ووحدته، وثبات المقاومة وتماسك المحور المقاوم.
سقطت الحرب ولم تسقط غزة.
وبتنا مطمئنين، فهناك بين صفوفنا مقاومة جسورة واعية..

الوسوم
شارك المقال
متابعة

الدكتور موسى محمد عبد السلام العزب
- مواليد عمان/ في 2 أيار 1951.
* حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة وهران/ الجزائر في العام 1978.
* عمل في المستشفيات والمراكز الطبية للهلال الأحمر الفلسطيني في سورية ولبنان، حتى العام 1982.
* حاصل على شهادة التخصص العليا في أمراض النساء والتوليد من الجامعات الفرنسية عام 1986.
* عمل طبيباً إختصاصياً لأمراض النساء والتوليد في مستشفى الهلال الأحمر الأردني لمدة 25 عاما، وعيادة خاصة حتى اليوم.
* عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
* منسق الحملة الوطنية، "صحتنا حق".
* ناشط إجتماعي ونقابي وسياسي وإعلامي، لمدة تمتد لأربعة عقود.

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading