نشكركم طوال العام إلا في الثامن من آذار… الحكيم نموذجا

رانيا لصوي
6 دقيقة وقت القراءة

أكاد أجزم أن تشويه المفاهيم بات هو السائد، والعبث بكل ما هو جميل، وإفسادة هو القاعدة! مابين القبول والتفاني لفكرة الاحتفاء بيوم المرأة، والرفض القاطع لهذا اليوم وجهتي نظر، بالجوهر لا يخدمون المراة في شيء، بل على العكس.

المبالغة بالتكريم والاحتفاء، التنصيب والتظاهر بالاهتمام وتبادل المواقع، محاولة الخروج من عباءة الذكورية واستنكار المرأة ودورها في المجتمع، هذا العبث بالشكل والمظهر دون محاولة الولوج الى باطن الاشياء، ليس فيه تكريما بشيء. ليس المطلوب من الذكر أن يتظاهر بأجمل الصور في هذا اليوم وعلى المراة أن ترفض الترقيع و التمثيل.

ما نطالب به هو نهج و تغيير حقيقي نعي تماما ارتباطة الوثيق بالتغيير الجذري بالمجتمع كامل واستقلاله وسيادته. فهذا اليوم لم ولن يكن لنا كما نريد وكلنا في المخرز  باع وذراع.

في الجهة المقابلة من هم أكثر صدقاً و وضوحا يرفضون هذا اليوم ويعلنون ذكوريتهم بفظاظه، بنكته، صار بدنا نادي الرجال لننادي بحقوق الرجل التي ضاعت منا، فأصبحتم أنتن كل شيء زيادة.

ولربما الأكثر انسجاما مع ذاته هو ذلك الرجل الذي لا يعنيه الموضوع في شيء، لا تعليق ولا تهنئة ولا أدنى اكتراث.

في فكر الحكيم .. جورج حبش

في فترة ليست بالبعيدة قرأت للرفيقة المناضلة الدكتورة مريم ابو دقة الكثير عن جورج حبش، حكيم الثورة، كيف كان له نهجا ثابتا راسخا في تكريم المرأة، احتفظت حينها بما خطت الى يومي هذا، كلما ضاقت بي المواقف وتعجبتها، اعود لقرائته وأمني نفسي بالتغيير لأنني ابنة هذه المدرسة..

تذكر الرفيقة مريم في تدوينتها ما حققته المراة في صفوف تنظيم الجبهة الشعبية من انجازات سياسية وعسكرية على حد سواء، مشيرة الى دور الاسيرات والمناضلات والسياسيات في اثبات وجودهن وحضورهن، وتشكر دور الحكيم الداعم الاكبر لهن ، تسرد العديد من النقاط التي كانت محط اهتمامه طوال العام وليس في الثامن من آذار فقط…

تقول الدكتورة مريم في تدوينتها “كان الحكيم يحرص في الثامن من آذار أن يتواصل مع أعضاء المكتب السياسي للمشاركة في احتفالات المرأة وأن يكون أول من يهنئ رفيقاته في أماكن تجمعهن حيث كان قرار الجبهة الثامن من آذار يوم عطلة مدفوعة الأجر للرفيقات، ويحرص على حضور احتفالات و ندوات ومهرجانات المرأة” .

شديد الحرص على زيارة أسر الشهداء و الأسرى في كل المناسبات والتواصل معهم و السؤال عن أحوالهم و احتياجاتهم.

كان قمة في التواضع و شديد الاحترام للمرأة و تكريمها في التعامل معها …أو السماع لمشاكلها و مساعدتها .

حكم الجبهة قانون عدم تعدد الزوجات إلا للضرورة القصوى ورفض ظلم الزوجة أو الأخت أو الرفيقة أو أي امرأة، وفي حال الشجار بين الزوج و الزوجة كان يتدخل الحزب في محاولة جادة للإصلاح بينهما و إذا تعذر يكون دعم المرأة و تأمين احتياجاتها و أطفالها أولوية. كان من الاسس محاسبة الرفيق الذي يؤذى المرأة زوجة – أخت- رفيقه- امرأة عادية، ومن أهم وأول عناصر التقييم الموقف من المرأة وانسجام الفكرة والسلوك.

شجع الحكيم الأم التي تنجب طفلين أو أكثر و ذلك بمساعدتها في أعباء الحياة. شرع لهن اجازه امومة للمتفرغات في التنظيم، مدفوعة الاجر، و أصر على أن تتوفر حضانات الاطفال لفترة طويلة تصل الى 12 ساعة في اليوم تُسهل على الرفيقات العاملات أمور حياتهن الاسرية. كما حرص على تقديم الدعم المعنوي اللازم لهن أمام الاهل والعائلة تكريما لهن وتقديرا.

وتشير الرفيقه مريم على دور الحكيم في وصول الكثير من الرفيقات لمواقع مهمة ضمن استراتيجية ومنهج لمشاركة المرأة في القرار. ومن واقع ايمانة بتحرر الارض وبناء الدولة فكان يحفز الرفيقات على اكمال تعليمهن الجامعي وانخراطهن بعجلة الانتاج وكان يقول” المناضل مهم ولكن كم هو أكثر أهمية أن يكون المناضل اكاديمي.. لأننا في مرحلة الدولة نحتاج الى من يبني الوطن، نساء ورجال”.

اهتمامه في ادق التفاصيل ودرايته لتركيبة المرأة، جعلت منه حريضا على زيارة الرفيقات المبعدات عن أهلهن، فكان لهم وطن وعائلة. كان لا يغيب عن باله سؤال أي رفيق عن زوجته أو أمه أو أخته…

وتكمل تدوينتها مؤكدة على مكانة المرأة الفلسطينية في الداخل، مكانتها الخاصة في قلب الحكيم، مدركا بشاعة جرائم الاحتلال ودورها المتعاظم في مركز الفعل المباشر، فكان شديد التأثر بهموما والاهتمام بدعمها ومتابعة اخبارها.

ولم يكن هذا الاهتماما شوفينيا بل ظهر جليا في مهرجان تأبين الشهيدة تغريد البطمه و الذي بدأ فيه الحكيم يلوح بكلتا يديه و قبل يديه كان قلبه ينتفض غضبا على استشهاد رفيقتنا المناضلة تغريد البطمة وما هي إلا دقائق معدودة من كلمات الحكيم عن الشهيدة و المرأة و دورها حتى داهمت قلبه الجلطة التي عرضت حياته للموت، و نقل الحكيم إلى العلاج فورا … هذه الحادثة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك عمق و صدق إيمان الحكيم بقضية المرأة و حقها المشروع بممارسة دورها الكامل دون أن يرسمه لها احد.

لا يختصر دور الحكيم في قضايا المرأة بالنموذج الذي قدمه داخل الجبهة الشعبية بل في افكاره وطروحاته الفكرية وتوجهاته التي أغنت سيرة المرأة الفلسطينية والعربية عموما فكان موضع حب وتقدير من النساء العربيات ومن عرفنه من الأمميات وهن كثر.

قدم نموذجا حقيقيا للانسانية في أسرته، مع زوجته وبناته، ليكون قدوة لكل رفاقة ورفيقاته، مرددا عبارته ” لايمكن ان يكون الانسان ثوري، إلا إذا كان إنسان” فكان له ما أراد وأكثر.

كان الحكيم اشتراكيا مؤمنا بالمساواة بين الرجل والمرأة طوال العام وليس فقط في الثامن من آذار.

نستذكر هذه القامات والقصص لنمسك درب النضال كما يجب أن يكون، ونقوى على ما يمر بنا من أزمات واختلالات في المفاهيم والرؤى، فزمن الكبار لا ينتهي، وانجازاتهم تبقى منارة الطريق، فهل مازال هنا من يحمل الشعلة؟؟

شارك المقال
  • عضو في حزب الوحدة الشعبية
  • ناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية
  • مهتمه في قضايا المرأة
  • رئيسة رابطة المراة الاردنية سابقا
  • مدونه في الشان الفلسطيني والمراة