إن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في مواجهة الكيان الصهيوني لمسائلته عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، قد يحتاج صدور قرار نهائي فيها إلى فترة زمنية طويلة قد تمتد لعدة سنوات، إلا أنه ونظراً لاستمرار العدوان الصهيوني في ارتكاب جرائمه ضد الفلسطينيين والخطر الحقيقي المتمثل بالتهجير والكارثة اللاحقة بالقطاع على جميع الصعد الحياتية والإنسانية والصحية، فقد تضمنت الدعوى طلباً لاتخاذ تدابير تحفظية (مستعجلة) وفقاً للمادة (41) من النظام الأساسي للمحكمة التي تنص: (يكون للمحكمة سلطة أن تبين إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك أي تدابير مؤقتة ينبغي اتخاذها للحفاظ على الحقوق الخاصة بأي من الطرفين).
وبينت جنوب إفريقيا الأسباب التي استندت إليها لطلب تلك التدابير وهي: تحقيق الحماية من أي ضرر جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وضمان امتثال “إسرائيل” لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية ومنعها والمعاقبة عليها.
وفي نهاية الجلسة العلنية الثانية يوم 12/1/2024 والتي قدم فيها الكيان الصهيوني دفاعه، أعلنت المحكمة أن قرارها بخصوص التدابير التحفظية سيصدر في جلسة علنية يعلن عنها في الوقت المناسب، حيث بدأت المحكمة بعقد مداولات مغلقة للنظر بمسألتين الأولى: اختصاص المحكمة للنظر في الدعوى، والثانية البت بالتدابير التحفظية المطلوبة. هناك العديد من السوابق القضائية قررت فيها المحكمة بقبول التدابير التحفظية قبل البت بمسألة الاختصاص على اعتبار أن التدابير التحفظية لها الأولوية القصوى على جميع القضايا الأخرى ويتوجب البت بها بالسرعة الممكنة وفق المادة (74/1) من لائحة المحكمة، وفي دعوانا هذه يتوقع أن يصدر القرار في غضون أسابيع قليلة، والمحكمة في سوابق قضائية لها قد أصدرت قرارها خلال (8) أيام في قضية (أوكرانيا ضد روسيا) وخلال (40) يوم في قضية (غامبيا ضد ميانمار).
وفيما يلي التدابير التحفظية المطلوبة:
- على “إسرائيل” أن تعلق فوراً عملياتها العسكرية في غزة وضدها.
- على “إسرائيل” أن تضمن أن أي وحدات عسكريّة مُنظّمة أو غير مُنظّمة قد تتلقى توجيهات أو دعماً أو تأثيراً منها، فضلاً عن أي منظمات أو أشخاص قد تكون تحت سيطرتها أو توجيهها أو تأثيرها، ألا تتخذ أي إجراءات تعزّز العمليّات العسكريّة المشار إليها في النقطة (1) أعلاه.
- تلتزم كل من جنوب إفريقيا و”إسرائيل” وفقًا لالتزاماتهما في إطار اتفاقيّة منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعيّة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني أن تتخذ كل ما هو معقول من تدابير في إطار سلطاتهما لمنع حدوث جريمة الإبادة الجماعيّة.
- يجب على “إسرائيل” أن تمتثل وفقًا لالتزاماتها في إطار اتفاقيّة منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعيّة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني كمجموعة محميّة بموجب هذه الاتفاقيّة عن القيام بأي أفعال ضمن نطاق المادة (2) من الاتفاقية، وخاصةً:
(أ) قتل أفراد المجموعة، (ب) تسبّب بإصابات بالغة الخطورة أو نفسيّة لأفراد المجموعة، (ج) إلحاق ظروف بالمجموعة مُصمَّمة عمدًا لإحداث تدميرها الجسدي جزئياً أو كلياً، (د) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.
- يجب على “إسرائيل” أن تمتنع، وفقًا للفقرة (4/أ) أعلاه فيما يتعلق بالفلسطينيين، واتخاذ جميع التدابير في إطار سلطاتها، بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة والقيود و/أو الحظر، لمنع: (أ) الطرد والتهجير القسري من منازلهم، (ب) حرمانهم من: (ج) الوصول إلى الغذاء والماء الكافيين، (د) الوصول إلى المساعدات الإنسانيّة بما في ذلك الوصول إلى الوقود الكافي والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي، (ه) الإمدادات والمساعدة الطبيّة، و(ز) منع تدمير حياتهم في غزة.
- يجب على “إسرائيل” أن تضمن فيما يتعلق بالفلسطينيين، أن قواتها العسكريّة فضلاً عن أي وحدات عسكريّة غير مُنظّمة أو أفراد قد يتلقّون توجيهات أو دعمًا أو تأثيرًا منها، وأي منظّمات أو أشخاص قد تكون تحت سيطرتها أو توجيهها أو تأثيرها، ألا يرتكبوا أي أعمال موصوفة في الفقرتين (4) و (5) أعلاه، أو يشاركوا في دعوة مباشرة وعلنيّة لارتكاب جريمة الإبادة الجماعيّة، أو المؤامرة لارتكابها، أو محاولة ارتكابها، أو المشاركة فيها، وفيما يتعلق بمن يشاركون في ذلك، تُتخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبتهم وفقًا لأحكام المواد (1و2و3و4) من اتفاقيّة منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعيّة.
- يجب على “إسرائيل” أن تتخذ تدابير فعّالة لمنع الدمار، وضمان الحفاظ على الأدلّة المتعلّقة بادعاءات الأفعال داخل نطاق المادة الثانية من اتفاقيّة منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعيّة، ولهذا الغرض يجب على “إسرائيل” ألا تتخذ إجراءات لإنكار أو تقييد الوصول بأي شكل من الأشكال لبعثات التحقيق والتكليفات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة للمساعدة في ضمان الحفاظ على هذه الأدلة والتحفظ عليها.
- يجب على “إسرائيل” أن تقدّم تقريراً إلى المحكمة حول جميع الإجراءات المُتخذة لتنفيذ هذا الأمر في غضون أسبوع واحد، اعتباراً من تاريخ هذا الأمر، وبعد ذلك بفواصل زمنيّة مُنتظمة كما تأمر المحكمة، حتى يتم صدور قرار نهائي في القضيّة من قبل المحكمة.
- يجب على “إسرائيل” أن تمتنع عن أي إجراء وأن تضمن عدم اتخاذ أي إجراء قد يزيد من تفاقم النزاع أمام المحكمة أو يجعل من الصعب حلّه.
وفي دفاعها عن الطلب قالت جنوب افريقيا أن المحكمة تملك السلطة وفقاً لسوابقها القضائية بأن تقرر فيما إذا كان هناك حالة إلحاح بمعنى أن: هناك خطر حقيقي ووشيك بأن يلحق ضرر لا يمكن إصلاحه، وفي سبيل ذلك تأخذ المحكمة بالاعتبار ما إذا كان السكان المعرضون للخطر هم ضعفاء بشكل كبير، كحدوث القتل والإصابات العديدة بينهم بسبب الهجمات العسكرية المستمرة، وتسبب تلك الهجمات بأضرار مادية كبيرة، بما في ذلك تدمير المباني والبنية التحتية، وأن تخلق تلك الهجمات ظروفاً معيشية أكثر صعوبة على السكان المدنيين كعدم قدرتهم على الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية كالمياه الصالحة للشرب والكهرباء والأدوية الأساسية أو التدفئة، أما بالنسبة للضرر الذي لا يمكن إصلاحه فقد وضحت جنوب افريقيا في الطلب مقتل ما لا يقل عن 21110 فلسطينياً في قطاع غزة معظمهم من النساء والأطفال فضلاً عن 55243 جريح بينهم 1000 طفل بترت أطرافهم.