هذه المنافسات العدائية الشرسة في كرة القدم هي صنيعة مافيات الكرة، وأرباب الإتجار بالبشر، وشركات الدعاية والإعلام والبزنس، وإفتعال قوى “الظل” والإلهاء، وإذكاء لهيب الهويات تحت الوطنية.. لو لم يكن هناك وحدات وفيصلي، لإفتعل البعض عصبيات أخرى، ربما كانت أشد عنفا وفتكا!!
قبل عشرة أيام أدت أعمال عنف بين أنصار فريقي مدينتين في أندونيسيا إلى سقوط 174 قتيل ومئات الجرحى.. في ملاعب كرة القدم وفي جميع أنحاء العالم تحصل أعمال عنف متكررة، وليس هناك لا فيصلي ولا وحدات، ومازلنا نذكر الحرب الدموية التي جرت بين الهندوراس والسلفادور بسبب كرة قدم!!
لا أستحضر هذا لأبرر أي شيء، ولكن لمحاولة فكفكة عناصر هذه الظاهرة، ومحاولة علاجها، ففي الرياضة “النظيفة”، يجب أن لا يوجد أعداء، ولا حتى خصوم، بل منافسين يجب أن نتساوى معهم في المحبة والكرامة الإنسانية، وأن نتعرف إليهم بشكل أفضل، حتى يكون التنافس رياضي، يجب أن يخلو من الكراهية والغرور والعنصرية والعدائية.
التنافس الرياضي الحقيقي ينتصر الفريقان باللعب النظيف والمحبة والتنافس الشريف، مهما كانت النتيجة المعلنة.. وهو قبل كل شيء أن أتحدى قدراتي وأنافس طاقاتي، وأخرج أفضل ما عندي، لأرتقي بها.. واللاعب أو الفريق المنافس أمامي، هو من يساعدني على ذلك ويرفع من درجة التحدي.
قد أهزم في مباراة رقميا، ولكن قد أكون قد إنتصرت على ضعفي ومخاوفي ورفعت من سوية أدائي.
منافسات كرة القدم في زمن العولمة، أصبحت سلعة أساسية للسوق الرأسمالي العالمي العابر للقارات، ويتم إخضاعها للسياسة متى أراد الرأسمال ومنابره الإعلامية ذلك!!
لا أتكلم هنا عن فرقنا الوطنية وأنديتنا المسخمة فحسب، فهي ما زالت تحبو على عتبات السوق، بل عن تلك الأندية المحترفة المسجلة في البورصات المالية في لندن ونيويورك وطوكيو وأبو دبي و…، تلك التي تشارك في مضاربات مالية هائلة، وتحقق موارد مالية تعادل حوالي ٦٠٠ مليار دولار عبر العالم..
سلعة إستهلاكية رائجة، الإنسان هو مادتها ومستهلكها، دون ان تحقق للبرامج التنموية للدول أي قيمة مضافة، إلا للشركات متعددة الجنسيات، عابرة للحدود!! مليارات الدولارات تتدفق عبر القارات لتثري السوق العالمي الجديد للعبيد والإتجار بالبشر!!
وهكذا، فقد يتحول عندنا التشجيع بسبب التجريف السياسي، وتدني المنظومة الأخلاقية، إلى هوس مشبوه، ومرض عضال، وتحشيد لأنصار الأندية، ليتحول إلى واردات في صناديقها، وكل ذلك، تموله وتأججه جهات وأجهزة مستفيدة، ومراكز قوى، تتحكم بتسخينه وتبريده متى شاءت، بينما تصيب شظاياه المجتمع دون تمييز.
قبل إنزال العقوبات الصارمة، يجب تحديد المسؤول الحقيقي عن الظاهرة، وإدراك إلى أي مدى من الممكن أن تأخذنا مفاعيل البطالة والفقر وغياب العدالة..
شباب الوطن يستحقون منا أكثر من العقوبات والردع، والوعظ والإرشاد.