يتم إنشاء الحزب الفاشي على أساس شعارات وطنية فضفاضة متطرفة ملونة بانتهازية اجتماعية، كما يمكنه أن يطرح شعارات لصالح الشرائح الكادحة، فيما تعيث العصابات الفاشية في بلادها فسادا، وتشن حملات قتل وتخريب، بحيث تستهدف بشكل خاص الأفراد والمنظمات المعارضة ذات الطابع الاشتراكي والديمقراطي.
كما أن الفاشية في بلدان مختلفة، يمكنها أن تأخذ مظاهر مختلفة، ولكن دائما، تشرعن السلطة الفاشية عنفها السلطوي الممارس، وتجرم الاحتجاج الشعبي!!!
هل هناك تعريف واحد للفاشية؟
في تعريفات أكاديمية كلاسيكية؛ فإن الفاشية هي وصف لشكل راديكالي من الهيمنة، تمثلت تاريخياً في تجارب لحركات سياسية قومية أو وطنية ونُظمٍ أسَّستها تلك الحركات، تبلورت عبر تجارب بلدان أوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين لتصل إلى شكل أيديولوجي واعٍ بذاته.
سعت الحركات الفاشية لفرض نموذج قياسي لتوحيد الأمة التي تنتمي إليها عبر نظام شمولي للمجتمع، كما تقاربت الحركات الفاشية بملامح مشتركة تتضمن؛ المبالغة في تقديس هيبة الدولة، والتبجيل الشديد لزعيم قوي، والتشديد على التعصب الوطني، وحضور استثنائي للجهاز الأمني.. وترى الفاشية في العنف السياسي والسطوة، أساليب مشروعة لتحقيق الأهداف السياسية، وبلورة الهوية القومية.
وقد أعطى الإجتماع الموسع الثالث عشر للأممية الشيوعية، للفاشية التعريف التالي:
“الفاشية هي ديكتاتورية إرهابية سافرة لعناصر الرأسمال المالي الأكثر رجعية وشوفينية وإمبريالية”. كما أعطيت لها تحديدات متباينة في مختلف المراحل والظروف، وهكذا نرى بأن إحدى مداخلات المؤتمر الرابع للأممية، قد شددت على الطابع البرجوازي الصغير للفاشية، بينما شددت مداخلة أخرى؛ على الغياب التام للفرق بين الديموقراطية البرجوازية والديكتاتورية الفاشية، ومحاولة إظهارهما كشيء واحد!
كما يمكن للفاشية أن تنتزع من البرجوازية الكبيرة السلطة، لتسلمها للبرجوازية الصغيرة مؤقتا ريثما تنتهي الأزمة.
هنا لا بد من التحذير بعدم الوقوع في خطأ اعتبار الانتقال من الديمقراطية البرجوازية إلى الفاشية كأمر محتم.. لأن الإمبريالية في الحالات الطبيعة لا تحب أن تخلي الساحة بالضرورة لنظام ديكتاتوري فاشي، ولكنها لا تمانع من وجود خصائص رجعية في أي نظام تعيد تشكيله.
ويؤكد تولياتي أمين عام الحزب الشيوعي الإيطالي في الثلاثينات:
“هذا الميل نحو الطابع الفاشي للحكم موجود في كل مكان، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أيضا أنه في كل مكان هناك حتمية الوصول إلى الفاشية”.
هنا يجب استخدام مصطلح الفاشية بدقة، وعدم الوقوع في خطأ إطلاقها على الرجعية أو الإرهاب بشكل عام، ولكن ظاهرة الإرهاب والرجعية تتحول إلى فاشية عندما تصبح في خدمة البرجوازية الكبيرة الأزومة، كما أن نجاحها يستند عادة على الرأسمال المالي والكمبرادور، وعلى حواضن مجتمعية تحمل نسبيا طابع البرجوازية الوسطى والصغرى، بما فيها فئات غير واعية من الكادحين والعمال.
الفاشية ليس لها أيدلوجية ثابتة ومحددة وجاهزة سلفاً، فهي أيدلوجية انتقائية تجريبية تتمحور حول عنصر التعصب القومي أو العرقي أو الديني أو الطائفي أو الفئوي، وتتغير عناصرها الأخرى من حالة إلى أخرى، ومن بلد ألى آخر لتوائم الحواضن المجتمعية. وهذه الأيدلوجية هي الأداة الضرورية لتجميع تيارات مختلفة في الصراع من أجل فرض السلطوية والإرهاب على الجماهير الكادحة، بالاستناد على حركة جماهيرية أيضا.
لم تنتزع الفاشية أبدا الحكم من البرجوازية الكبيرة على الاطلاق، وإنما وصلت إلى الحكم بتواطؤ من البرجوازية أو بدعمها المباشر، خاصة عندما تكون هذه البرجوازية مأزومة بدرجة كبيرة.. عندها تكون مستعدة لضرب عرض الحائط خطابها وشعاراتها الديماغوجية السابقة عن المطالب الشعبية والاجتماعية.
في بلادنا يظهر الحل الفاشي “كخيار ممكن” تلجأ إليه البرجوازية الطفيلية والكمبرادور للتغلب على أزماتها، خاصة إن أحست بظروف نضوج حالة ثورية حقيقية تهدد مصالحها.
وفي الدول المتأخرة والنامية عموما، عادة ما تظل الحركات الفاشية قابعة على هامش الحياة المجتمعية، ويمكنها أن تتحول، في ظروف معينة، إلى أدوات محلية للإمبريالية وامتدادا لأنشطة أجهزة مخابراتها، صاحبة المصلحة لبروز التكوينات الاستبدادية في البلدان التابعة، خاصة مع تعمق أزمة السلطة (النظام). وعند فشل البرجوازية بإنشاء حزب سياسي فعلي ومكتمل الشروط، وفي ظل تشتت تمثيل البرجوازية في الحياة السياسية إلى كتل مبعثرة، وشيوع عدم الاستقرار السياسي، ويروز تناقضات فئوية مجتمعية، مع حضور ملموس للإقطاع السياسي.
حيث ينشأ صراع بين الإقطاع السياسي، والليبرالية الجديدة التي تكتشف سريعا ضعف البناء الفوقي وهشاشة المؤسسة السياسية لنظام الإقطاع السياسي، فتأخذ بتعديل ميزان القوى لصالحها وإخضاع الدولة والمجتمع، عن طريق التطور الرأسمالي المالي، وتذويب الصراع الفوقي لصالح النيو ليبرالية ورواد الخصخصة. حيث تزيح البنى الاجتماعية التقليدية كالتكوينات العشائرية، ومؤسسات المجتمع المدني (أو تحتويها)، وتضرب التقاليد البرلمانية الملتبسة والهشة.
وفي ظل غياب الحواضن الشعبية، ونكوص الأحزاب البرجوازية، تأخذ السلطة بالاعتماد على المؤسسة الأمنية القمعية المنضبطة بشكل كامل -تضخمها على حساب الجهاز الأمني المعني بتطبيق القانون- وتقدم امتيازات وشراكات لقياداتها، لتزج بها في الحياة السياسية في مواجهة القوى السياسية المعارضة والفئات الشعبية، التي بدأت تعي طبيعة النظام المعادية وحجم تغلغل الفساد في أركانه.
في مواجهة الفاشية، يجب أن تعرف القوى الاشتراكية والديمقراطية الشعبية، متى عليها تجميد الشعارات الصراعية الاجتماعية البينية، واعتماد شعار التحالف الشعبي الواسع ضد خطر الاستبداد والقمع الفاشي.