في مثل هذه الأيام، وقبل 32 عام، إجتمع حوالي مئة وخمسين شخصا، في مكان ضيق مكتظ في عمان، لتأسيس حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني!!
نساء ورجال من أعمار مختلفة ومن مناطق غطت معظم مساحة الأردن حضروا بإندفاع وحماسة واضحة.
في ذلك العام بدى نوفمر باردا بدرجة إستثنائية، ودرجات الحرارة في الخارج لا تقاس مطلقا بدرجة حرارة النقاش داخل القاعة، وحالة الدفء والحماس الرفاقي والإصرار لإنجاح المؤتمر!!
هذا المؤتمر شكل إنعطافة إستثنائية صعبة في حياة الحزب.. التحدي كان كبيرا، والمطلوب هو إجراء تحول واع وخلاق من “منظمة الجبهة الشعبية في الأردن” إلى حزب وطني أردني ديمقراطي أصيل.
المطلوب مغادرة التجربة الحميمية المشرقة، وشبه السرية لجمهرة كبيرة من المناضلين في المجال السياسي والجماهيري، إلى حزب علني جماهيري فاعل يتموضع في مكانة لائقة بين أطراف الحركة الوطنية الأردنية بتوجهاتها اليسارية التقدمية، وآفاقها التحررية الوحدوية العربية، ويمسك بشكل أصيل وبدون مواربة بالبرنامج الوطني الأردني، وشعاره الناظم نحو أردن وطني ديمقراطي، محافظا على روحه الكفاحيه العالية!!
كل ذلك دون أن يغادر هذا الحزب الوليد واجبه وأحقيته التاريخية في الإلتصاق بالهم الفلسطيني، وإعتباره مهمة وطنية أردنية داخلية بإمتياز، ثلاثة أيام وليلتين لم يغادر أحد مكان المؤتمر بعد أن هطلت الثلوج وكنت جبال عمان باللون الأبيض.
بعض الرفيقات اللائي إصطحبن أطفالهن الرضع إلى المؤتمر، كن قدوة للجميع في التحمل والإصرار على الإستمرار.
ظهر الإرهاق على الجميع وإرتسمت علامات السهر على الوجوه.. بينما تستطيع ان تأخذ غفوة صغيرة على مقعدك.
أصر الجميع على الإستمرار، التحدي كان كبيرا، والولادة لم تكن سهلة، والوثائق متعددة وواسعة، والحس بالمسؤلية بات الجامع.. الضغط النفسي والجسدي لم يمنع المشاركة في نقاشات معمقة وحيوية!
صباح اليوم الثالث كانت الأمور قد بدأت تتضح.. تم إقرار الوثائق وإعتماد رمز الحزب وشعاراته الناظمة.. وقبل إجراء إنتخاب عضوية اللجنة المركزية، أمسك أحد الأعضاء عوده وبدأ يدندن ببعض الألحان الوطنية الحانية، وبدات الحناجر التي أرهقها السهر والقهوة والتبغ، تغني للحرية والأمل والوطن والناس.. ظهرت علامات البِشر على الوجوه، وعادت الإبتسامة إلى مكانها من جديد، حقق المؤتمر أهدافه وكسب الحزب الرهان، بدأت الثلوج بالذوبان وأشرقت الشمس من جديد.
وما زالت البوصلة ثابتة وما زال الأمل يحدونا لتحقيق أهدافنا.
وما زال الحزب في ساحات النضال، منحازا -كما بدأ- للفقراء والأوطان.