اعتقد أن ما قاله سموتريش في باريس لا يعكس رأيا شخصيا فحسب أو مجرد زلة لسان، بل هي تعبير حقيقي عن هذه الحكومة وأيدولوجية مكوناتها.
ولنبدأ أولا بتحديد من يقود إسرائيل الآن؟ إنهم تيار الصهيونية الدينية، حيث ينتمي أغلبية ذلك التيار الى ما يعرف بشباب التلال، وهم مجموعات استيطانيه تسكن في مزارع ومبان منفردة ضمن مناطق مفتوحة خارج المستوطنات.
واتباع هذه المجموعة يؤمنون (بأرض إسرائيل الكبرى)، ومن برنامجهم تحويل البؤر الاستيطانية العشوائية الى مستوطنات شرعية. وسموتريش كان واحدا من شباب التلال، وشارون رغم أنه أول من شجعهم على احتلال التلال في سبيل عرقلة الاتفاقيات الموقعة مع الدول العربية، إلا أنه سجن سموتريش لبضعة أيام لرفض الأخير الانسحاب من غزة من طرف واحد.
هذه هي الصورة الحقيقية لهذه الحكومة والذين تفاجأوا إنما تعكس جهلا واضحا بالحركة الصهيونية وأهدافها الفعلية.
إن الصورة المضللة التي حاول المطبعين إشاعتها عن الكيان الصهيوني والرهان على مصداقية الكيان واحترامه للمعاملات، للمعاهدات تكشفت بأجلي صورها من خلال حكومة نتنياهو وفرسانها سموتريش وبن غفير ومن على شاكلتهم.
أعتقد أن الصورة الحقيقية لهذا الكيان هو ما تجلى في الانتخابات الأخيرة والانزياح المجتمعي نحو اليمين بشكل شبه تام وتضاؤل أي صوت يمكن حسبانه على اليسار، لكن السؤال الذي يبحث عن الإجابة هو أسباب هذا الانزياح شبه الكامل، ومآ هي الأجواء الخصبة التي وفرت البيئة الملائمة للانزياح وبقوة؟
لكن السؤال الذي يبدو أكثر راهنيه وإلحاحا لماذا هذا الازدهار والنمو للصهيونية الدينية؟
بلا شك ان هناك اسبابا عمقت هذه النظرة العنصرية وهي مرتبطة بشكل وثيق برؤية اليهود لأنفسهم كشعب الله المختار والذي حصل على وعد من الرب بالأرض، وذاد على ذلك نظرتهم للأخرين باعتبارهم اقل منهم.
هذه الرؤية سمحت للعنصرية ان تنمو في قلب الصهيونية بل تحولت الى مكون أساسي لها، ومن الضروري الإشارة الى ان الداروينية الاجتماعية بان البقاء للأرقى والاقوى عززت الجانب العنصري.
كان لحرب حزيران عام ١٩67 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية كان بالنسبة لهم انجاز تطابق فيه الواقع مع الرؤية التوراتيه، بل ان ذلك عزز العامل البشري على الوعد الإلاهي كعامل مهم في تخليص اليهود.
لم يكن صعود اليمين الديني معزولا عن التحولات الاقتصادية التي شهدها الكيان بعد عام ٧٧ عام وصول الليكود الى الحكم وما أحدثه من تحول في النهج الاقتصادي القائم على القطاع العام الى اتجاه الانفتاح والخصخصة وتراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الامر الذي افسح المجال للجمعيات الدينية من العمل على سد الفراغ واستقطاب الفئات المتدينة.
كان لتنامى الاستيطان بعد عام ٦٧ وبعد اوسلو ٩٣ بشكل كبير بحد ذاته قاد الى تنامى ظاهرة الصهيونية الدينية.
لم تقف الامور عند تلك الحدود بل زاد الامر الى تعاظم نفوذهم في القضاء والجيش والتعليم الامر الذي يمهد لتحولها الى كيان ديني وشديد العنصرية.
اعتقد ان فهم هذا التحول مهم جدا بأن ما نشهده ليس مجرد حكومة طارئه قد تتغير في أي انتخابات قادمة بقدر ما تعكسه انزياحا مجتمعيا شبه كامل نحو اليمين والعنصرية الأمر الذي بدد الأوهام على ما روجته دول التطبيع بإمكانية التعايش مع هذا الكيان
ان الاطلالة البسيطة على فكر سموتريش وبن غفير وهذه المجموعات يدلل على طبيعة المستقبل.
يقول ليس هناك شعب فلسطين، الهيكل الثالث سيتم بناؤه خلال سنوات على أنقاض المسجد الاقصى،
التوسع نحو الاردن حتى دمشق.
هل هناك من ناقوس خطر يدق اوضح من كلامهم.
ان حسم هذه الامور واعادتها الى اساسها باعتبار تناقضنا الأساس معهم وهو تناقض وجودي لا يحتمل أي نوع من المناورة.
ان الهروب الى الامام الذي مارسته السلطة والاردن ومصر بالذهاب الى مؤتمري العقبة وشرم الشيخ سعيا للتهدئة لم يكن الا اذعانا وسلوكا يعكس حالة الاستجداء، الامر الذي شجع سموتريش وغيره الى التمادي المفضوح في تحدينا جميعا.
اعلان الاسرى الاضراب المفتوح غدا يجب ان يشكل لنا جميعا انظمة وشعوبا عنصر التفجير الذي يفتح الافاق نحو مواجهة شاملة تبدأ بوقف التطبيع والغاء كل الاتفاقات وتعزيز قدراتنا للاشتباك المفتوح.
لقد بلغ السيل الزبى، الاردن في خطر وفلسطين في عين العاصفة بل الوطن العربي كله في دائرة الخطر.
هل من صحوة؟!