من يتابع ما يجري في القدس لا يحتاج الى فطنة وذكاء أو أن يكون محلل سياسي أو خبير في الاستيطان لكي يكتشف بأن هذه الحكومة المتطرفة بقيادة بينت أكثر تطرفاً وعنجهية وعنصرية من حكومة نتنياهو.
فبينت قادم من الصهيونية الدينية، وكان رئيساً للمجلس الإقليمي للمستوطنات، وهو يعمل على تكثيف أخطر أنواع الاستيطان في الضفة الغربية، ألا وهو الاستيطان الديني من أجل إضفاء الطابع التلمودي التوراتي على الأرض الفلسطينية، حيث يقوم ببناء المقابر والكنس والمعابد في أكثر من 30مستوطنه وبؤرة استيطانية، وخصص لها 6 مليون و250 ألف شيكل بشكل أولي .
وإذا ما عدنا الى الأهداف والمخاطر المترتبة على القيام بتسوية وتسجيل الأملاك والأراضي في القسم الشرقي من المدينة، الذي تزعمته وزيرة الداخلية اليمينية المتطرفة اياليت شاكيد في 18/أذار / 2018،والتي كانت في تلك الفترة وزيرة “للعدل” الصهيوني ،فنحن ندرك الآن بأن القيام بهذه العملية واختيار الأحياء والقرى العربية المقدسية التي ستجري فيها تسوية وتسجيل الأملاك لم تكن اعتباطية أو عفوية، بل هناك جملة من الأهداف سعت تلك المتطرفة وحكومتها لتحقيقها من القيام بهذه العملية ،فحكومة الاحتلال وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي “كاكال”،يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الاحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، أو عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية.
الآن تتضح حقيقة هذه الأهداف، بإعلان ما يسمى بالوصي العام لوزارة القضاء الصهيونية ،حيث يدير 900 عقار في القسم الشرقي من المدينة، ويعمل بالتنسيق مع الجماعات الاستيطانية من أجل إقامة مشاريع استيطانية في خمسة بلدات مقدسية، حيث جرى نقل المسؤولية عن أملاك الغائبين الى الوحدة الاقتصادية التي يتزعمها المستوطن المتطرف غورفنيكل، هذه الأحياء الاستيطانية سيقام أولها في قرية بيت صفافا في منطقة خربة اللوز، على أرض مساحتها 38 دونم، تدعي وزارة القضاء الصهيونية، بأنها أملاك ليهود هذه المستوطنة المسماة ب “جفعات شاكيد” والتي تتكون من 473 وحدة استيطانية، ورياض أطفال ومدرسة ابتدائية وكنس يهودية، وستحاصر قرية بيت صفافا وتمنع تمددها الجغرافي وتعزلها عن منطقة بيت لحم، وكذلك ستعمل الجمعيات الاستيطانية على إقامة مستوطنة بين بيت صفافا وقرية صور باهر بالقرب من مستوطنة جبل أبو غنيم” هار حوماة” على أرض مساحتها 5 دونمات وثلاثمائة متر، لم يتم العثور منها سوى على 3 دونم وثلاثمائة متر منها، بالإضافة إلى إقامة بؤرة استيطانية في منطقة باب العامود، حيث هناك عشر عائلات يهودية تدعي بأن السكان العرب في تلك المنطقة يقيمون في هذه الأملاك، ويجب العمل على إخراجهم من تلك الأملاك، وفي بيت حنينا سيقام حي استيطاني على أرض مساحتها 6 دونمات بالقرب من معسكر لجيش الاحتلال، حيث يدعون بأن قطعة الأرض تلك هي أملاك يهودية، والمشروع الأخطر يستهدف حي جورة النقاع “كبانية أم هارون” في القسم الغربي من الشيخ جراح، حيث تدعي الجمعيات الاستيطانية بأن الأرض والبيوت التي يعيش فيها الفلسطينيون أرض وأملاك يهودية، وسيعملون على إخلاء سكانها والسيطرة على الأرض والبيوت، حيث جرى الاستيلاء على بيتين في تلك المنطقة، وجرت قبل يومين محاولة من قبل المستوطنين للسيطرة على بيت وقطعة الأرض التابعة لها التي تخص المواطنة فاطمة سالم، حيث وضعوا شبك حول قطعة الأرض ولم ينجحوا بالسيطرة على الأرض بسبب تصدي أصحاب البيت وسكان الحي للمستوطنين وطردهم، والسيدة فاطمة سالم تعيش في هذا البيت منذ 73 عاماً، وبات المستوطنون يسيطرون على 33 قطعة من أصل 58 قطعة في منطقة جورة النقاع “كبانية ام هارون”.
يضاف إلى هذه المشاريع الاستيطانية، مشروع استيطاني مكون من برجين كل برج 30 طابق ستقام على أراض قرية الولجة جنوب مدينة القدس المصادرة لصالح مستوطنة “جيلو”، وهذه الشقق السكنية ستكون لخدمة الأزواج الشابة واستجلاب المزيد من المستوطنين إلى مدينة القدس.
المشاريع الاستيطانية هذه تترافق مع مشاريع التطهير العرقي، حيث جرى الاستيلاء على قطعة أرض في المدخل الرئيسي لحي الشيخ جراح مساحتها 4700 متر، تحت حجج وذريعة المصادرة لإقامة حديقة عامة، حيث جرى تجريفها والغرض واضح لاستخدامها كموقف لحافلات وسيارات المستوطنين القادمين لزيارة ما يسمى بقبر الصديق شمعون، وهذا الاستيلاء والتجريف المترافق مع الادعاء بقيام طفلة لعائلة حماد المهددة بالطرد والتهجير من حي الشيخ جراح بطعن مستوطنة، الهدف منه واضح الضغط على قضاة ما يسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية لإصدار قرار لصالح المستوطنين، بطرد وإخلاء عائلات الشيح جراح، و اتخاذ العملية المزعومة من أجل الاستيلاء على بيت حماد كمقدمة للاستيلاء على بقية بيوت الحي.
ومشاريع الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي لا تطال فقط عائلات جورة النقاع” كبانية أم هارون ” ال 45 ولا عائلات “كرم الجاعوني ” ال 28 عائلة، بل هي تطال أحياء سلوان الستة “بطن الهوى” و”البستان” و”عين اللوزة” و” وادي الحلوة” و”واد ياصول” و”واد الربابة”، ففي واد ياصول محكمة الاحتلال “العليا” أصدرت قرارها بهدم بيوت 58 عائلة فلسطينية هناك تحت ذريعة البناء غير ” القانوني” والعمل على توسيع غابة السلام، والهدف واضح السيطرة على الحي وبقية الأحياء الأخرى من أجل تهويد بلدة سلوان وربط البؤر الاستيطانية مع بعضها البعض في بلدة سلوان وإقامة حدائق تلمودية ومسارات توراتية.
وفي الاستراتيجية الأخرى لتهويد المدينة وتغيير واقعيها الديمغرافي والجغرافي لصالح المستوطنين ومشهدها الكلي، من مشهد عربي إسلامي – مسيحي الى مشهد يهودي تلمودي توراتي مصطنع، نشهد تصعيداً في “المجازر” المرتكبة بحق الحجر الفلسطيني، سواء عبر هدم منازل ومنشآت المقدسيين بواسطة بلدوزرات وجرافات الاحتلال، أو من خلال إجبار المقدسيين على هدم بيوتهم بأيدهم تحت طائلة تهديدهم بتحميلهم تكاليف عملية هدم بلدوزرات وجرافات الاحتلال لمنازلهم وقوات شرطة وجيش الاحتلال التي تحرس عمليات الهدم (عائلات نصار في منطقة واد قدوم في سلوان نموذجاً)، سبع عائلات أجبرت على هدم بيوتها بأيدها، والتي نتج عنها تشريد 90 فرداً من ساكينها، وقبلها عشرات العائلات المقدسية، وهذا الأسلوب من الهدم لجأ إليه الاحتلال ليوفر عليه تجنيد قوات شرطة وجيش لمرافقة عمليات الهدم ،وما يحصل بينها وبين السكان البيوت من اشتباكات ،تظهر المحتل بأبشع صوره في هدم البيوت وتشريد الأطفال والنساء، الذين بعد عمليات الهدم يفترشون السماء ويلتحفون الأرض، وكذلك هذا الأسلوب يخفف من حدة الإدانات والاستنكارات الدولية لعمليات الهدم.
ما يتعرض له المقدسيون هي حرب شاملة تشارك فيها دولة الاحتلال بكل مستوياتها وأجهزتها الأمنية والمدنية، وجمعياتها الإستيطانية من “العاد” و”عطروت كهونيم” وغيرها.