لاهثين وراء الكيان المحتل، مطوعين شعوبهم للتطبيع، اجتمع وزراء خارجية الامارات، مصر، البحرين، المغرب، أمريكا والكيان المحتل على أرض النقب المحتلة. ظاهر الأمر إظهاراً “للوحدة” ورسالة “ردع” لإيران، إعادة اصطفاف من محور الأعداء ومن محور الأصدقاء.. إعادة الاصطفاف ومحاولة تشكيل ناتو عربي “إسرائيلي”.
تشابكٌ للأيدي وارتباط وثيق بأن القادم لهم وحدتهم.. إذا على ماذا اتفقوا…؟
السردية العربية والتأريخ
الأسباب المعلنة والتي أخذتنا لتحليل القادم مهمة، ولكنها ليست جوهر قمة العار والتطبيع، في كلمة بن زايد واصفاً القمة باللحظة التاريخية قال: “للأسف أضعنا هذه الأعوام الثلاثة والأربعين” (منذ أبرمت مصر وإسرائيل معاهدة السلام) خسرنا على مدار هذه الأعوام معرفة بعضنا البعض بشكل أفضل والعمل معا، وتغيير السردية التي نشأت عليها أجيال من الإسرائيليين والعرب وخلق مستقبل مختلف”. شاكرا مصر ومطمئنا لها أن الامارات “تسير على خطى مصر”.
كما صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي ذهب بعيدا في وصف العلاقات بين “إسرائيل” والمغرب عندما تحدث عما يبدو أنها مقولة سمعها في إسرائيل مفادها أن “كل عائلة في إسرائيل لديها شخص من دم مغربي”. قال بوريطة “هذه ليست مزحة، هذا واقع”.
إعادة التأريخ أخطر ما في قمة النقب، قتل الرواية العربية التي توثق العداء مع الكيان الصهيوني، اجتمعوا ليس فقط على مستقبل جديد، بل على تاريخ بلا حروب ولا عداء مع “إسرائيل”، انشاء جيل جديد لا يعرف شيء عن أمته العربية ويعتقد بان هذا الورم السرطاني جزء من المنطقة باقٍ لأنه أصيل.
تغيير السردية العربية، كتابة التاريخ للأقوى، للمسيطر والمهيمن، ومحو تاريخٌ طويل ليس من العداء مع الكيان المحتل، بل من الكرامة والعنفوان العربي..
الرواية الوطنية
قال حكيم الثورة جورج حبش: ” ربما نخسر معركة سياسية وأكثر، ربما نخسر معركة عسكرية وأكثر، ولكن لا يجوز ولا بأي شكل من الأشكال خسارة المعركة الثقافية، فهي الرهان الأساسي والضمانة الاستراتيجية للانتصار في صراعنا المفتوح مع العدو الصهيوني وكل قوى الإرهاب والظلم والتكفير..” هم يعرفون على حدٍ سواء معنا أي تكمن نقاط القوة والضعف، هم يسرقون التاريخ بحبة فلافل، قطبة تطريز، والان يطمحون الى تغيير التأريخ وإعادة انتاج الرواية العربية، ونحن في الجهة المقابلة علينا أن نوثق روايتنا، أن نكتب كرامتنا، وأن نبني جبهة واعية في جيل لا يعرف من المستقبل إلا رفضه لهذا الكيان السرطاني.
كان دائما للثورة الفلسطينية روايتين، الأولى من الخطاب الاستعماري وأدواته من الأنظمة في المنطقة رسخت وصاغت وعينا صوغا قاصرا، منحاز الى خطابها. والرواية الأخرى هي الرواية الشعبية الوطنية والحقيقية التي سكنت القصص المحكية والذاكرة الموروثة. القصيدة والرواية والأغنية الوطنية.
ورغم ذلك فشلت مصر والأردن والمغرب في فرض التطبيع على شعوبها عبر سنوات من الاتفاقيات والمعاهدات، لم يتأثر نبض الشعوب، وبقيت البوصلة فلسطين، وإن رأي بن زايد في تجربة مصر مسار طريق يحتذى فلينظر الى الشعب المصري ويتأكد تماما من مسار الطريق.
أدب المقاومة
عرّاب الادب المقاوم الشهيد الأديب غسان كنفاني وفي دراسته في الأدب الصهيوني ركز على أن “الأدب الصهيوني” جزءً لا يتجرأ ولا غنى عنه، استخدمته الصهيونية على أوسع نطاق، ليس فقط لخدمة الدعاوية، بل أيضا لخدمة حملاتها السياسية والعسكرية.
ولن يكون من المبالغة أن نسجل هنا – حسب تعبيره- أن الصهيونية الأدبية سبقت الصهيونية السياسية، وما لبثت أن استولدتها وقامت بعد ذلك الصهيونية السياسية بتجنيد الأدب في مخططاتها… موضحا أنه إذا كانت الصهيونية السياسية هي نتاج للتعصب والعرقية، فقد كانت الصهيونية الأدبية هي أولى ارهاصات ذلك التعصب والعرقية..”
وفي مقابل هذه المعركة طويلة الأمد أطلق الشهيد غسان كنفاني أولى رصاصات الادب المقاوم في وجه الأدب الصهيوني، لتكن جبهة مقابل جبهة، في معركة يجب ان لا نخرج منها خاسرين.
معركتنا القادمة الهامة كما المعارك السياسية والعسكرية هي المعركة الثقافية، معركة الوعي، وإعادة صياغة وتوثيق الرواية الوطنية الشعبية التي ستواجه المستقبل الذي يريدونه. روايتنا التي توثق عدائنا المحق مع الكيان الصهيوني، توثق كرامتنا وتضحياتنا شعوبا عربية واحدة متحدة اتجاه فلسطين.
ليس فقط على كل فلسطيني أن يكتب روايته، بل على كل عربي أن يكتبها لتكون أغنيةً للنصر.