في الذكرى السبعين لـ ثورة ٢٣ من يوليو، نترحم على قائدها وحامل مشعلها ومشروعها النهضوي والتحرري العربي جمال عبد الناصر، ونحيي الذين لا زالوا ممسكين برايتها ويعملون لاستمرار جذوتها.
يكتسب أحياء ذكرى ثورة 23 يوليو هذه الأيام أهمية بالغة من حيث الدلالة ومن حيث خطورة اللحظة.
إن ثورة 23 يوليو بقدر ما كانت رد فعل على فساد الحكم وما يعانيه الشعب المصري، كانت بالجوهر ثورة على الاحتلال البريطاني وجرائمه بحق الشعب المصري واستلابه لإرادة وخيرات مصر.
أما الدلالة فهي أن الأمه العربية وما تعانيه من ضعف وهوان وإذعان لمشاريع التطبيع والتتبيع وما يتم الترويج له من ما يسمى بالسلام الإبراهيمي، والتنكر لأهداف الأمة وحقوق الشقيق يجعل من التمسك بالذكرى المجيدة أكثر ضرورة.
هذا التراث الثوري وما فرضه من منطق التغيير والنجاح الشعبي العربي في التصدي للمشاريع والاحلاف التي سعي الاستعمار لفرضها على شعوبنا، يجب أن يشكل حافزًا لنا جميعًا أفراد وجماعات على استلهام الروح الوثابة والجسورة التي مثلتها الثورة وقائدها جمال عبد الناصر.
لقد شكلت الثورة إضافة نوعية وإيجابية للروح الوطنية المصرية وللروح القومية وهذا ما مكنها من حمل مشروعها القومي التحرري ونجاحها في مقارعة الاستعمار وهزيمته.
إن ما أحدثته من تحولات اجتماعية أكبر دليل للرد على من حاول تقزيمها في حدود الانقلاب، دون التبصر بما أحدثته من إصلاح زراعي وهزيمة للإقطاع وتحويل الإنسان المصري من أجير عند اقطاعي إلى مالك ومزارع.
ووضعت الثورة مصر على أعتاب التصنيع وأحدثت حركة ثقافية وأدبية تجاوزت حدود مصر، لقد شعرت بنبض الشارع ولذلك انطلق معها ثورة في الإبداع والمبدعين.
ثورة 23 يوليو هي من وقفت مع حركات التحرر وسعت لبلورة حركة عدم الانحياز.
تكتسب عملية استحضار الذكرى السبعين لـ ثورة ٢٣ يوليو أهمية كبرى في ظل واقع عربي طافح بالأزمات واختلال المفاهيم.
لم يعد للأمن القومي العربي من دلالة بعد أن تحول الكيان الصهيوني إلى حليف لم يعد عدوًا، وأصبح شعار التطبيع معه هو البوصلة التي يسير نحوها النظام العربي.
ولم يعد لمفهوم السيادة أي دلالة في ظل امتلاء أرضه بالقواعد الأجنبية.
ولم تعد العدالة الاجتماعية حاضرة في ظل الليبرالية الجديدة، وازداد تمركز الثروة في أيدي حفنه من الرأسماليين، وباتت الغالبية من الناس محرومة ولا تملك كفاف عيشها.
اقطارنا العربية باتت تنوء بأعباء المديونية، وتئن من الفقر والبطالة والفساد، وتكريس القمع ومصادرة الحريات في ظل تحالف بين استبداد الحكام والأجنبي سواء كان “إسرائيليًا” أو أمريكيًا.
ولعل ما نراه في أيامنا هذه من سعي أمريكي لإدماج الكيان الصهيوني مع الواقع العربي ضمن إطار إقليمي وتكريس التطبيع وصولًا إلى التتبيع، أكبر دليل على عمق الانحدار الذي وصلنا إليه.
هذا الحال العربي العام يعطي لـ ثورة 23 يوليو راهنيه أكبر لفهم دلالتها ودروسها وموجباتها.
هذا يضع على القوى السياسية والفعاليات الوطنية مسؤولية أكبر من أي مرحلة سابقة.
أولى هذه المهمات الارتقاء بمستوى العمل العربي الشعبي المشترك خاصة مع التشابه في الواقع والمهمات.
بحيث بات التصدي للتطبيع ورفض الوجود الأجنبي من قواعد وغيره وكل أشكال التبعية مهمات مشتركة.
وفي ظل فشل النضالات القطرية في تحقيق الوحدة العربية المنشودة، لأن القوى الاستعمارية نجحت في احتواء تلك النضالات وتوجيهها نحو التوقف عند حدود الاستقلال السياسي الشكلي وإبقاء حالة التبعية والارتهان للأجنبي.
هذا يجعل من وحدة أدوات النضال وتوجيهها نحو النضال القومي مطلبًا ملحًا، من أجل توفير مقدمات النهوض. هذا الوطن الزاخر بالإمكانيات المادية والبشرية أمام تحدي وجودي، في النهوض وليزيح عن كاهله كل عناصر التخلف وأدوات التبعية، فالأمل كبير بشعوبنا العربية.