تموج فلسطين التاريخية بالثورة والانتفاضة منذ عدة شهور، بدءاً من مواجهات بلدة بيتا مع الاحتلال لمنع إقامة مستوطنة في جبل صبيح، مروراً بالمواجهات مع قطعان المستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة برقة وفي بقية المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، وبالمواجهات المحتدمة في حي الشيخ جراح وسلوان لمنع تفريغ المكان من أصحابه، وصولاً إلى المعارك الظافرة التي نفذها الفدائيون الفلسطينيون في عمق الكيان الصهيوني في كل من بئر السبع والخضيرة وبني براك “وتل أبيب” وأسفرت عن مصرع 11 مستوطناً وجرح العشرات وإلى المواجهات المحتدمة مع قوات الاحتلال في عاصمة الثورة “جنين” ومخيمها وإلى تحدي الجماهير الفلسطينية للاحتلال في القدس والمسجد الأقصى وإفشالها قرار المستوطنين، بإنجاز ذبح القرابين في منطقة الهيكل المزعوم.
في هذه المواجهات كشف الشعب الفلسطيني، وخاصةً الأجيال الجديدة التي ولدت بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، عن استعداد نضالي هائل فاجأ العدو الصهيوني وأوقعه في حالة ارتباك غير مسبوقة، خاصةً بعد أن تمكن فدائيان فلسطينيان من الوصول إلى عمق الكيان الصهيوني في مدينة “تل أبيب” وضاحيتها “بني براك” والسيطرة على أحياء فيهما وإيقاع عدد كبير من الخسائر في صفوف المستوطنين، إذ أنه ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني وجوهره الفلسطيني – الصهيوني، يضطر العدو الصهيوني إلى سحب ما يزيد عن ألف جندي من خطوط التماس مع قطاع غزة ومع جبهة جنوب لبنان للدفاع عن عمقه في الساحل الفلسطيني.
وفي هذه المواجهات تمكن أبناء شعبنا من كي وعي أنظمة التطبيع والمستوطنين، والبناء على مخرجات معركة سيف القدس التاريخية، بجعل سؤال الوجود سؤال دائم يؤرق كل مستوطن في فلسطين، بأن هذا الوطن ليس لهم وأنهم غزاة كولونياليون، جرى التدليس عليهم بالطروحات التوراتية والتلمودية، من قبل قياداتهم الصهيونية المحافظة والعمالية والليبرالية، ابتداءً من حاييم وايزمان مروراُ بجابوتنسكي وصولاً لبن غوريون. ولم يغير من واقع هذه المخرجات عمليات الاقتحام لأحياء في جنين ونابلس وللمسجد الأقصى ولبقية البلدات الفلسطينية وارتقاء عدد من الشهداء “سبعة شهداء” خلال ثلاثة أيام، واعتقال 1000 فلسطيني منذ مطلع الشهر الجاري، من ضمنهم 450 جرى اعتقالهم فجر الجمعة من المسجد الأقصى، فالرسالة وصلت لكل مستوطن بأن هذا الوطن بكليته من رأس الناقورة وحتى رفح، ومن النهر إلى البحر هو وطن الشعب العربي الفلسطيني، ولن يغير من واقع هذه المخرجات هذا الاستنفار الاحتلالي غير المسبوق في الضفة ممثلاً بنشر “24” كتيبة عسكرية في الضفة الفلسطينية.
لقد لعبت الفصائل الفلسطينية في اجتماعها الأخير في قطاع غزة في الثالث عشر من شهر (أبريل) نيسان الجاري، وبحضور ممثلين عن حركة فتح دوراً فاعلاً في توجيه الحراك الجماهيري في الضفة الفلسطينية، من خلال دعوتها إلى التعبئة الشعبية العامة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل الفلسطيني” ومن خلال تأكيدها على معادلة “غزة، القدس – المسجد الأقصى وجنين” ورسمها الخطوط الحمر بشأن المسجد الأقصى وبشأن عملية عسكرية إسرائيلية شاملة في مخيم جنين، إذ أن هذه المعادلة هي التي دفعت سلطات الاحتلال للتراجع عن ذبح قرابين الهيكل المزعوم في ساحة المسجد الأقصى.
لقد بدت الأمور وكأن الفصائل في قطاع غزة هي من تمارس التوجيه القيادي السياسي والتعبوي في الضفة الغربية، في ضوء انكفاء السلطة عن ممارسة دورها وإصرارها على المضي قدماً في اتفاقات أوسلو ونهج التنسيق الأمني، وفي ضوء انعدام مناخ الحريات والقمع الذي تمارسه قيادة السلطة للفعل المقاوم، وفي ضوء تحول اللجنة التنفيذية إلى مجرد أداة لنهج القيادة المتنفذة. لكن دور الفصائل في غزة على أهميته، يحتاج إلى آلية تنظيمية (قيادة موحدة)، تقود الهبة الشعبية والمقاومة المسلحة في الضفة الغربية وفي المناطق المحتلة عام 1948، وتطوير هذه الهبة باتجاه التحول إلى انتفاضة شاملة في عموم الوطن، بالضد من نهج التنسيق الأمني واتفاقيات أوسلو حتى لا تضيع هذه التضحيات، على النحو الذي حصل مع انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى وبقية الهبات والانتفاضات اللاحقة. فالقيادة الموحدة مطلب غير قابل للتأجيل، والوقت بات في هذه المرحلة من دم في ضوء تنافس حكومة نيفتالي بينيت مع حزب الليكود في التنكيل بالفلسطينيين، في محاولة بائسة ويائسة لاسترداد هيبة الكيان وقدرته على الردع التي مرغها أبطال عمليات بئر السبع والخضيرة وبني براك وتل أبيب في الوحل.