لست متبحرا بالقانون، ولكننا ندرك جيدا كيف تتغول السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وتسيس حتى الأحكام القضائية!!
أكتب وأنا أتابع بتأثر بالغ حركة رفيقتي هبه أبو طه، حيث يتم ترحيلها من مركز أمني إلى سجن، إلى مركز توقيف إلى محكمة، ثم إعادتها إلى السجن.. في متاهة متواصلة من المعاناة والألم والارتياب!
ولكن، ما تهمتها ؟! “استخدام الشبكة المعلوماتية لنشر ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو الحض على الكراهية..”!! هل فعلتِ كل هذا يا هبة.. وكأنك جيش من الأجهزة؟!
هبه؛ ليست زعيمة سياسية تناور لتتسلق سلم الفوز بموقع متقدم في الوظيفة العمومية، ولا هي مقاول سياسي يشاغب للحصول على صيده سهلة، ولا هي مرشحة تحاول السطو على أصوات العشيرة وأبناء البلدة، أو صحفي مأجور يكتب بالإيعاز والإملاء..
ما أعرفه جيدا هو أن هبه هي امرأة من بلدي لونها من لون ترابه، جبلت بالزعتر والميرمية والشيح الجبلي المر، ومناضلة وطنية باسلة، وضمير حي، وسيف ممشوق على الأعداء لا يتلم نصله، وانتماء عميق وأصيل للأردن وفلسطين.. ربما لأنها كذلك غدت متهمة ومطاردة ومستهدفة.. كل الأصوات التي تشبه صوت هبة يراد لجمها وإسكاتها.
فكيف لمثل هذه الإنسانة أن تكتب أو تنتج ما يثير الفتنة أو النعرات؟؟ كيف لها أن تحض على الكراهية وهي نفسها -مثل أغلبية شعبنا- ضحية الكراهية والظلم السياسي والاجتماعي؟
في ممارستها لواجباتها المهنية والمعنوية كصحفية، لم تخرج هبة أبو طه عن خط الحراك السياسي والثقافي والإنساني في الأردن والعالم، وعنوانه التضامن مع غزة وفلسطين، وإدانة الهمجية الصهيونية، وتعرية كل ما يساعد على دعمها وإدامة توحشها.
هبه أيضا جزء من تيار إنساني أممي يكاد أن يشكل جبهة إنسانية واحدة تقاوم الظلم والغطرسة والقتل.. وهي الآن ضحية للقوى التي تحاول بخبث حرف طبيعة الحراك عن عناوينه ومضامينه التحررية النبيلة، في محاولة لتجريمه وزجه في سجالات فئوية ونعرات عنصرية عبثية لتسهيل شيطنته ومحاصرته وعزله.. ألم نلاحظ بإن تهمة معاداة السامية جاهزة في الغرب “الديمقراطي” لتلويث وقمع نضالات ملايين الشرفاء.
هل من داعي بأن نعيد التذكير بأن عدونا هو “إسرائيل” والوحشية الأمريكية، وأن الخطر الآتي إلينا هو من هذا العدو بالتحديد، وليس من صبايا وشباب الوطن؟؟
وأن الكراهية تأتينا في العادة من طبقات مهيمنة، وسلطات متنفذة استهلكتها الكراهية على أبواب السلطة وهي تلوح بقانون “منع الجرائم الإلكترونية”، ولا تخفي رغبتها في “تطهير” المجتمع من أخياره وأبنائه المخلصين.
أدرك طبيعة خياراتك في الحياة يا هبه، وقناعاتك وكيف تتحملين الأسوأ على أمل الحصول على الأفضل مستقبلا. أمام هذا نحن نغضب ولكننا لا نجزع من كوننا عرضة للقمع، ولا لأن رفيقات ورفاق لنا يتم اعتقالهم، ويتعرضون للتنكيل وحجز حريتهم، فالبلد بشبابه وشيوخه يعاني، ويُحجز على حريته، ونحن جزء من أبناء هذا الوطن، ومصرين على أداء دورنا وواجباتنا، والاستمرار في هذا الدور كحق وواجب أخلاقي يكفله الدستور لشعب حر وأصيل.
“لأننا ببساطة نفعل شيئًا نثق بأنه صحيح وجيد، ونؤمن بأن القضايا السامية تستحق الكثير من البذل والنضال”..هبة أبو طه؛ لكِ منا المحبة والسلام..
الحرية لهبةأبو طه .. الحرية لكافة المعتقلين السياسيين