يرزح الوضع الفلسطيني الراهن ميدانياً تحت واقع جريمة إبادة كاملة الأركان تمارس بشكلٍ يوميّ ضد أبناء شعبنا في كل مكان في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل ولبنان وسوريا، وهو استهدافٌ واسع لإرادة المقاومة لدى أبناء شعبنا. تقابل كلّ هذه العواصف بحالة صمود تتمثّل في التمسّك بالأرض، والإنسان، والذاكرة، دفاعاً وانتماءً.
لا يخفى أنّنا، في الجهة المقابلة، أمام حالة سياسية ما تزال إلى الآن عاجزة، بشرطها القيادي، على ترجمة حالة الصمود إلى حالة فعل سياسي موحّد يرتقي إلى مستوى التضحيات. وهذا ما يجعل أهم عامل ممثّلٍ بالعامل الذاتي الذي كان بالضرورة العامل المحدّد والحاسم لصدِّ العدوان ومواجهته والتعامل معه، فيصبح في اللحظة الراهنة العامل الأضعف والأكثرَ إشكالية على صعيدنا الفلسطيني، ليغدو سؤال «ما العمل؟» هو الأكثر إلحاحاً راهناً، والذي يجب أن نتعامل معه وأن نواجهه.
لا تقتصر متطلّبات المرحلة على البرنامج والخطط النظرية وحسب وإنما ترتبط بخطوات عملية على الأرض. وذلك يعني أنّنا نحتاج إلى مركبات عدّة يجب العمل على توفيرها راهناً، وهي:
المركّب الأوّل: الحاضنة الشعبيّة
يتمثّل في الدور الشعبي، وذلك بإعادة الاعتبار حقيقةً لدور الشعب الفلسطيني بوصفهِ صاحب القرار وليس مجرد مستمع وصامت، وهذا لا يتم من دون قناعة بوجوب مشاركة كل مكوّنات الشعب وأطيافه. إنّ موقفنا لا يؤثر وحسب، وإنّما نحن قادرون على إحداث تغيير لأنّ صوتنا، كما قرارنا، هما الأساسان.
وبناءُ ذلك يحتاج إلى دور للمثقف وللمؤسسة النقابية والسياسية والجماهرية وكل المكونات الفاعلة التي تستطيع تشكيل كتلة شعبية تحملُ برنامجاً تقدّمهُ وتفرضه. ويتمّ عبر حوارات شعبية واسعة وفي كل مكانٍ في الميدان، عنوانها الترجمة السياسية للصمود، ومحدّدها وحدة سياسية هي انعكاسٌ لوحدة جماهرية: «كلمة الشعب الفلسطيني». وهذا ما يعني العمل جماهرياً بشكلٍ واسعٍ وبخطاب وطنيّ وحدوي. ذلك ما يعيد حضور الإرادة الشعبية ووصفها بأنّها «صاحبة القرار».
المركّب الثاني: مفهوم دور المثقف
إنّ دور المثقف، ببعده الوطني وبانتمائه وبخصوصيّة دوره الميداني، يتجاوز خطاب الصالونات الثقافيّة وشبكات التواصل الاجتماعي إلى الاحتكاك المباشر بالميدان. تقع المسؤولية على عاتقه بما يحتويه تعريف المثقف من بعد جمعيٍ، ذلك أنّ دوره مفصليّ في هذه اللحظة الراهنة لإعادة القرار للشعب فضلاً عن المساهمة في صياغة الرؤية والبرنامج، علاوة على تقديم نموذج عملي على الأرض وتجاوز حالة التنظير التي تحول دون مدّ جسور بين الفكرة وممارستها.
لا تقتصر متطلّبات المرحلة على البرنامج والخطط النظرية وحسب وإنما ترتبط بخطوات عملية على الأرض
المركّب الثالث: الأفق الحركي والسياسي
إنّ هذا المركّب يخصّ القوى السياسية الحيّة التي يجبُ عليها أن تنشدّ بشكلٍ كامل إلى مهمة صدّ العدوان وأن تغادر مربع المزاودات والمصالح الفئوية الضيقة والخطاب التقليدي بالإضافة إلى الذهاب إلى صبّ الاهتمام على الهمّ العام، ومحاولة تقديم إجابات وحلول ومقارباتٍ أخرى أكثر إبداعية.
إنّ هذه المركّبات الثلاثة ضرورية من أجل الاصطفاف لصدّ العدوان، وهذا ما يعني تفصيلاً اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية المباشرة تحت عنوان وحدة الأرض والشعب والقضية.
يمكن حصر هذه النقاط في الخطوات التالية:
أولاً: تشكيل قيادة وطنية فلسطينية مؤقتة لعموم الشعب الفلسطيني، مهمتها الرئيسية مجابهة العدوان والدفاع عن أبناء شعبنا في كل مكان باستخدام الوسائل النضالية كافة وتوفير الإمكانات كافة وتوظيف الجهود كافة من أجل التصدّي لهذا العدوان فتكون ذاتاً قيادية فاعلة منتظمة لإنجاز هذه المهمّة. يوجب ذلك حتماً تجميد الخلافات وإدارة التعارضات بشكل فاعل وجادٍ.
ثانياً: تشكيل قيادات موحدة ميدانية تتجاوز صيغة التنسيق الفصائلي القائم، إذ تمتلك برنامج دفاع جاداً وفاعلاً وتستطيع إشراك المكونات المختلفة من أبناء الشعب الفلسطيني في هذه القيادات الميدانية والتي يكون صميم فعلها التصدّي للعدوان.
ثالثاً: وحدة الصفّ الفلسطيني كافّة بمختلف المكونات والمواقع. وضرورة توافر وحدة شعبية ونقاط دفاع وفعل حقيقية. يُربط بينها من أجل الهدف الأسمى: صدّ العدوان.
فتشكيل القيادة الموحدة بمهمة واضحة وترجمتها سياسياً عبر خطاب موحد أيضاً، فضلاً عن المجال الميداني عبر تسخير الإمكانات والقدرات كافة للتصدّي للعدوان، هما المدخلان الحقيقيّان راهناً اللذان يمكن عبرهما مجابهة هذا العدوان وتوفير إمكانية لترجمة سياسية حقيقية لحالة الصمود التي شكّلها شعبنا. وهذا لن يتحقّق بالظرف الراهن من دون وجود نوعٍ من المسؤولية الجماعية لدى كل الفلسطينيين من أجل تحقيق قيادة مؤقتة ذات معنى يمكن أن تمثّل إجابةً لكلّ التحدّيات.
*وائل الجاغوب أسير محرر
**جريدة الاخبار